في النهوض باقتصادنا.. الخبير فضلية لـ “الثورة”: الزراعة أولاً.. وتدخل الدولة لمصلحة الشرائح الهشة في المجتمع
الثورة – دمشق – ميساء العلي:
بالتأكيد ليس من السهولة على أي اقتصاد عانى من تداعيات الحرب أن ينهض بشكل سريع، فنحن نعاني من أزمة اقتصادية رافقت كل نشاطاتنا الاقتصادية لفترة زمنية تزيد عن ١٢ عاماً.
لكن وعلى الرغم من ذلك كان لابد من التفكير بسياسات جديدة وغير اعتيادية لنهوض الاقتصاد المحلي، فالجميع يسأل إلى أين يتجه هذا الاقتصاد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة من تضخم إلى انخفاض في الإنتاج، وارتفاع بالأسعار وما يدور حالياً حول إعادة النظر بآلية الدعم الحالية للوصول إلى شبكات أمان اجتماعية يستفيد منها الفئات الفقيرة والمعوزة.
يقول أستاذ التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية في حديث خاص لـ”الثورة”: إن الجميع يعرف حجم وطبيعة المشكلات التي عانى ويعاني منها الاقتصاد السوري منذ أكثر من عشر سنوات، والجدير بالذكر أن هذه المشكلات معقدة من حيث النوع ومن حيث الكم البسيط والمتراكم والمتوقع تفاقمه ولاسيما ما يتعلق بالحالة العامة المشوهة التي تسمى بالركود التضخمي التي تطغى وتؤثر سلباً بصورة مباشرة وغير مباشرة وعلى المدى القصير والطويل وعلى كل المؤشرات والمتغيرات الكلية والجزئية المادية والاجتماعية.
وبحسب فضلية- ومن أهم هذه المؤشرات التي تراجع بعضها وتدهور بعضها الآخر مؤشر الإنتاج المحلي الإجمالي، ومؤشر الدخل القومي وكذلك المؤشر التنموي الأهم المتمثل بالناتج المحلي الإجمالي الذي هو ذاته مجموع القيم المضافة التي يحققها الاقتصاد بمجهود وعمل وإنجاز البشر العاملين النشطاء في الاقتصاد، والتي تتكون من إجمالي الرواتب والأجور والفوائد والأرباح المتضمنة حصة الدولة من ضرائب على هذه المداخيل.
ويتابع: إن هذه الدخول تزداد مع زيادة الإنتاج وتنخفض مع انخفاض الإنتاج؛ وهي المبالغ التي يحصل عليها البشر الشركاء في العملية الإنتاجية وهم العمال يحصلون على الأجور وأصحاب رأس المال على الفوائد وأصحاب العمل المنظمين الأرباح ومجموعها هو الناتج أو القيمة المضافة أي ما يضيفه البشر على الأشياء والمواد الطبيعية من خلال تصنيعهم لها وبالتالي فعندما ينخفض الإنتاج تقل القيمة المضافة أي تنخفض الحصة التي يأخذها هؤلاء من إجمالي قيمة ما ينتجونه.
المستقبل
لذا- والكلام لفضلية- ولكي نعرف ما هو مستقبل الاقتصاد السوري علينا أن نستقرئ الواقع من خلال هذه المؤشرات، فالاقتصاد السوري يعاني من ضعف الإنتاج ومن قلة القطع الأجنبي بسبب سرقة ثرواتنا ومحاصيلنا وأراضي زراعتها من قبل الاحتلال والمجموعات الإرهابية وتدمير الكثير من الأصول الإنتاجية، فتقلص الإنتاج وقلت الصادرات وقل الإيراد والعرض من القطع في الوقت الذي ازداد فيه الطلب عليه لتغطية قيمة المستوردات عدا احتياجات مهربي الأموال والسلع واحتياجات المكتنزين والمسافرين، الأمر الذي يعني ارتفاع سعر القطع مقابل الليرة فترتفع تكلفة المستوردات وأسعار السلع المستورة وترتفع أيضاً تكاليف وأسعار المنتجات التي يدخل في تصنيعها مواد ومستلزمات مستوردة ،فتضعف القوة الشرائية لليرة ويقل الطلب وينخفض مستوى المعيشة كما يتراجع الإنتاج، فيقل الطلب على الأيدي العاملة وتزداد البطالة وتزداد أعداد الفقراء وتتباطأ عجلة الإنتاج.
ويرى فضلية أنه في ضوء هذا الواقع الضعيف اقتصادياً ومالياً والموجع معيشياً والأهم المستمر بالتراجع، تضعف بالمحصلة القدرة على الاستثمار والادخار لذلك يقف الاقتصاد والمواطن حالياً على عتبة مرحلة إعادة الإعمار التي لا يوجد لأجلها ما يكفي من المال لتغطية الحد الأدنى الضروري من الاحتياجات ويزيد من حدة هذه الحال العجز الكبير والمستمر في الموازنة العامة فتضطر وزارة المالية لتغطيته بالاقتراض من المصرف المركزي أو بطباعة المزيد من النقد الذي لا يقابله إنتاج سلعي حقيقي فيتفاقم التضخم ليؤثر سلباً من جديد، وخاصة عندما ينخفض الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري، وينخفض بالتالي الطلب الحكومي على كل شيء ليساهم أكثر في تدهور الإنتاج وفي إضعاف الليرة السورية ويتسبب ذلك بارتفاع سعر القطع ليعود ويدخل الاقتصاد في دوامة جديدة من القلة.
والحل- بحسب فضلية- يكون من خلال التدخل الحكومي الفوري الإسعافي القوي والفاعل لإصلاح وإعادة تشكيل الواقع الحالي لضبط ولجم تدهور بعض المؤشرات بحسب الأولوية والتأثير، بدءا بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني -أسمدة أعلاف- بالتوازي مع تسيير أنشطة التجارة الخارجية بدعم تكاليف التصدير وتقويته بمزايا جمركية بمساعدة سياسية ودبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة، والسماح دون إجراءات بيروقراطية بفتح استيراد ما هو ضروري من مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي التحويلي مع ضرورة التنازل الحكومي عن كل الرسوم والتكاليف الجمركية وفي خطوة إصلاحية لاحقة، تخفيض عجز الموازنة بزيادة
الإيرادات من مطارح ومصادر
جديدة ومنها تسوية مئات الآلاف من مخالفات البناء التي تمت طوال فترة الحرب وحتى تاريخه، والبدء بتلك القابلة للتسوية منها فنياً وهندسياً ،ومن حيث قانونية التملك على أن تتم هذه التسويات بغرامات عالية ومضاعفة يقبل المخالفون بدفعها، وكذلك إعادة النظر ببدلات العقارات والأملاك الحكومية والعامة المستأجرة والمستثمرة من قبل الغير.
وعلى حد قول المحلل الاقتصادي فإن اعتماد وتنفيذ ما تم ذكره سابقاً يتطلب حتماً إدارات موثوقة مؤتمنة حازمة مرنة في إجراءاتها، استثنائية التفكير وتمتلك ما يلزم من صلاحيات لإنجاح مهامها بعيدة عن البيروقراطية المكتبية في تنفيذ مهامها، وبعيدة عنها بيروقراطية الجهات التفتيشية والرقابية التقليدية.
وأنهى حديثه بمقولات دامغة.. أن قوة الليرة من قوة الاقتصاد، وأن القطاع الزراعي هو قاطرة النمو وأن هناك ضرورة قصوى لتدخل الدولة إيجاباً لصالح الشرائح الهشة من المجتمع، ليكن تدخل الدولة استراتيجيا قوياً في المجالات الاقتصادية الأهم، وبكل ما يتعلق بالحفاظ على أمان الموطن والحدود وعلى ضمان الأمن الطاقوي والمائي والدوائي وأن يكون دورها في وجهه الآخر تشريعياً تنظيمياً توجيهياً رقابياً.
ويضيف: إن التصدير هو هدف أولوي لتأمين مزيد من القطع الأجنبي ولجم التهريب، وهدف هام لتقليص الطلب عليه و تصفير رسوم الاستيراد الجمركية ومطلب ضروري يساهم في خفض التكلفة والأسعار مع تأمين مزيد من الإيرادات هو وسيلة وغاية ولا بد من زيادتها من خلال مصادر لا تزيد العبء على المطارح الخالية.