الثورة _ فؤاد مسعد:
العرف العام “يفترض” أن نجاح العمل يحدده الجمهور، وكيفية تلقفه له وتفاعله معه، وإلى أي مدى يمكن لهذا المسلسل أو ذاك أن يشكل فيصلاً بين ما قبله وما بعده، إلا أن هذا “العرف”، تسربت إليه روح “البزنس” في الكثير من مفاصله عبر توظيف “السوشال ميديا” بكل ما لها من سطوة وحضور يتسلل بخفة و “ع السكت” إلى عقول المشاهدين، مما ينعكس على ذائقتهم وآلية تقبلهم، ليكونوا ضحية الترويج والتسليع والتسويق، عبر محاولة لتوجيه كيفية تعاطيهم مع العمل الدرامي دون أن يشعروا بذلك، فيتحول قسم منهم إلى مجرد مرددين لما قرؤوا أو شاهدوا عبر إحدى أذرع “السوشال ميديا”.
هذا بالضبط ما يحدث اليوم عبر آلية التلقي لعدد من الأعمال الدرامية، التي سخّرت “السوشال ميديا” للتصفيق والتهليل إلى هذه الحركة التي قام بها الممثل هنا، أو تلك اللقطة التي أخذها المخرج هناك، أو جملة معينة قالتها ممثلة في أحد المشاهد، وفي كل حلقة هناك لقطة أو جملة أو صورة يمكن استثمارها إلى أبعد مدى، بحيث يغرق المتلقي بسيل من المواد الخفيفة اللطيفة التي يمكن تلقفها بسهولة من دون عناء، والقصد دائماً توجيه البوصلة إلى حيث يريدون ليكون هذا المسلسل أو ذلك بالذات حديث الناس كل يوم دون كلل أو ملل.
وهناك من ذهب إلى حد بات يُطلق فيه ألقاباً ترويجية على الفنانين وفق هواه، فتُفاجأ بجملة من الألقاب التي صُبّت على ممثلين بعضهم لايزال في صفوف متأخرة أو أنه لم يثبّت دعائمه وسط الساحة الفنية بعد، وبالتالي في زحمة الحياة أصبحت “السوشال ميديا” تُقدم للمشاهد خدمة إعطاء الرأي الجاهز الذي يمكنه تبنيه، حول عمل أو ممثل أو ظاهرة فنية!..
مما لا شك فيه أن هناك أعمالاً هامة تستحق الإشادة، ولكن الزخم الذي يصدر بشكل يومي أو شبه يومي على صفحات التواصل الاجتماعي، يشكل ضاغطاً بصورة أو بأخرى، وإن كان لصنّاع العمل الحق في سعيهم لإيصال مُنتجهم إلى المتلقي بأكبر قدر من التأثير ليكون حضوره راسخاً وقوياً، فعلى الجمهور أن يتعامل مع “السوشيال ميديا” بعقلانية وحكمة بعيداً عن الإبهار الدعائي، والاستعاضة عنه بالإبهار الفني والإبداعي، والدهشة التي تخلقها الأحداث .
وعلى سبيل المثال لا الحصر شاهدنا “للأسف” في الموسم الدرامي الحالي محاولة البعض حشد حضور “السوشيال ميديا” لتسويق رأي سلبي حول أداء ممثلة لسبب بعيد كل البعد عما هو فني وإبداعي واحترافي، والأمر نفسه قد يتكرر هنا أو هناك، للتأثير بالجمهور، ففي خضم زحمة الأعمال قد لا يتسنى للناس مشاهدة الحلقات كلها، فيجدون في الرأي المنتشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي مؤشراً يرشدهم لتكوين رأي نحو عمل درامي، فيبنون موقفهم منه وفقاً لما سمعوا أو قرؤوا، ويبررون ذلك انطلاقاً من مبدأ يعززونه في قرارة أنفسهم مفاده: “هل من المعقول أن كل هذا الزخم يصف ممثلاً بأنه لا يجيد الأداء، وأنا فقط من لديه رأي مختلف!؟.”.
الترويج عبر “السوشيال ميديا” أمر مختلف تماماً عن الرأي الذي يمكن أن يطرحه المشاهد أو المُتابع أو الإعلامي أو الناقد أو المبدع، ولا بد أن يبقى ضمن أطره وحدود وظيفته، وبهذا الكلام لا نصادر حق أية جهة إنتاجية أو إبداعية في عملية ترويجها لعملها، حتى خلال العرض، فهو حق لها ويُعتبر في أحد أوجهه جزء من استراتيجية عملها، ولكن ننبه إلى ضرورة أن نعي كيف يتم الترويج للأعمال، وأهمية أن يكون لكل مشاهد رأيه الذي يخالف أو يوافق