يبدو أن الشقاق بين سعر صرف الدولار وأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وكل ما له علاقة بهذا الأمر، أصبح أمراً واقعاً، فسعر صرف الدولار ينخفض في حين أن الغذائيات والاستهلاكيات والحاجات اليومية للمواطن ترتفع، وهي ناحية إن كان من مُلام بشأنها، فهو ولا شك مصرف سورية المركزي الذي يبادر إلى رفع الأسعار دون الاهتمام بأسعار المبيع اليومية حتى للسلع التي يمول بعضها.
القضية وببساطة أن المركزي كان في الماضي يُعلم وبشكل تفصيلي ما يموله، ولا ينتظر السؤال عما موّل، وعلى هذا الأساس كانت تستند السلطات التنفيذية – ولعل أهمها التموينية – في عملية الرقابة على الأسواق، بحيث يتم احتساب الفارق بين التمويل والربح “مُفقّطاً” على كل قطعة، فيتبين إن كان الربح نظامياً وضمن المعقول أم لا.
أما اليوم فلا أحد يدري ما الذي يجري، فلم يعد المركزي يتابع – وفق ما نشاهد – وإن كان يتابع، فهي ولا بد متابعة لا تُؤتي أُكُلها على اعتبار أننا لا نرى نتيجة على الأرض، فيوم يرتفع سعر الصرف يأخذ التجار أسعار المبيع لديهم إلى الأعلى جرياً خلف سعر الصرف، وعندما ينخفض سعر الصرف لا أحد يسال لمَ لمْ تنخفض الأسعار، وكأن رفع سعر الصرف هدف ونصر بحد ذاته.
أليس من الأوفق لو بادر المركزي والحال كذلك إلى الحصول على عينات من السوق من المواد التي يمولها أو حتى التي يمولها التجار بأساليبهم – لا فرق – ما دام هناك هامش مناورة محدد، بحيث يتبين ما الذي يجري، ومن يربح ممن، وبأي مقدار، وهي فكرة ربما تكون بسيطة جدا لدرجه البدائية، ولكنها حل.. وفي كثير من الحالات يكون الحل البسيط البدائي هو الحل الوحيد الذي يمكن له ان يحل المشكلة.
سعر الصرف هو عامل أساسي في مشكلة المواطن مع الأسعار، فعندما يرتفع الصرف لا يبرر المركزي أسباب هذا الارتفاع، وعندما ترتفع الأسعار جرياً خلف سعر الصرف، لا يسأل أحد لماذا ارتفعت الأسعار، بل لماذا لا يسأل المركزي نفسه التجار الذين استوردوا وخزّنوا بسعر صرف معيّن، ولماذا رفعوا سعرها اليوم!
أما إن كان الحديث عن تعويضهم لروافد رأسمالهم وتدفقاته النقدية، فهم سيعوضونه من البضاعة الجديدة التي يشترونها بالسعر الجديد ويبيعونها وفقاً له.. ولكن المشكلة هنا أن لا أحد يبحث عما يجري مع المواطن وعن انعدام قدرته الشرائية.
هي مسألة لابد لها من حل، وطبعاً لابد هي هنا بمثابة النفاذ إلى الواقع، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال بأن الحل سيوجد، فبعد 13 عاماً من الحرب والحصار والعقوبات والضغوطات وسواها، لم تتمكن الحكومة المشرفة على مصرف سورية المركزي من إيجاد حل لمسألة سعر الصرف ولمسألة المبيع في الأسواق، فلماذا التمنّي الآن؟
لعل التمنّي الآن لأن المسألة تتعلق بانعدام المقدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي من يمكن لنا أن نلوم بسبب ذلك إن كان سعر حزمة البقدونس يُضرب على الآلة الحاسبة على أساس سعر الصرف.. فمن الذي يمكن أن نلومه؟