الكراهية والحقد هما. من القيم السلبية التي تتشكل من موقف نفسي لشخص أو جماعة تجاه شخص أو جماعة أخرى أياً كانت تلك الجماعة أو الشخص وليس ذلك الكره الذي مجاله الأشياء الأخرى ككره بعض الحيوانات أو كره بعض المظاهر الحياتية الأخرى كالطعام والشراب والملابس وغيرها.
فهذه مواقف ذات طابع أو مزاج شخصي له أسبابه وتكويناته النفسية فالحديث هنا يتعلق بالحقد والكره المتعلقان بنفي وتسفيه الآخر المتشابه بالخلق ومن حيث المبدأ يعتبر الكره موقفاً طبيعياً عند البشر تجاه آخرين يرون فيهم مصدر شعور سلبي بمواجهتهم ككره الكذاب والسارق وكره المنافق وكره المجرم وصاحب السلوك اللااخلاقي المشين.
وهذا كله يدخل في منظومة القيم العامة والمتفق عليها عند البشر فالكراهية هنا تصيب القيم السلوكية السلبية فالشخص يكره الآخر غير المتطابق مع قيمه وأخلاقه أو من تسبب له في أذية أياً كان شكلها والكره هنا قد لا يتعدى الموقف النفسي السلبي دونما إلحاق أي أذية بالمكروه.
والسؤال هنا كيف ومتى يتحول الكره بوصفه موقفاً نفسياً سلبياً الى حقد؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكره له مستويات قد تتحول بالتراكم الى حقد فكل حقد يبدأ من الكره ولكن ليس كل كره هو حقد.. فالحقد تركيز وتكثيف للكره لأن فيه انتقالاً من موقف نفسي سلبي الى سلوك يحمل الأذى والأذية للآخر مع استعداد عال لذلك من انتقام وغيره وكلها تقع في دائرة ردة الفعل.
ولاشك أن الحقد والكره كما الحب وغيره مسائل فردية ودائرة فعلها وآثارها محدودة ولكن المشكلة تكمن في الحقد الجماعي اي عندما تحقد جماعة على أخرى او شعب على آخر أو قومية على قومية أو مكون على مكون وفي الإطار السياسي حقد طبقة على أخرى او حزب على حزب كما جرى الحديث عنه في الماركسية في الحقد الطبقي او الصراع الطبقي وما شاكل ذلك ولعل مثل هذه الصور من الأحقاد أخطرها على البشرية لاسيما إذا تحولت إلى أحقاد تاريخية .
إن من اخطر الأحقاد الحقد القومي كأن تحقد أمة على أمة والحقد الديني والمذهبي والطائفي لاسيما إذا كان ثمة ايديولوجية وخطاب مغذ للحقد والكراهية فالنازية كانت شكلاً من أشكال الحقد القومي.. والصهيونية شكل من أشكال الحقد القومي والديني والأقليات في مجتمع من المجتمعات إذا كانت مضطهدة يتولد لديها حقد قومي باتجاه القومية الأكبر وهذا غالباً ما يؤدي الى صراعات وحروب طويلة كالحروب الدينية في اوروبا وكذلكً ما حصل بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا منذ فترة ليست بالقصيرة.
ومن أخطر الأحقاد الأحقاد الطائفية والعرقية في المجتمع الواحد حيث برع الغرب في الاشتغال عليها في منطقتنا العربية بهدف ضرب العقد الاجتماعي للدولة الوطنية وتفتيتها وشرذمتها من خلال إحيائية مذهبية وعرقية تجد أدواتها الذين يشتغلون على سردية تاريخية مفتعلة او مضخمة وتقوم على ذم طائفة او ديانة أخرى تحت عنوان المظلومية التاريخية وصولاً لتشكيل وعي ضدي لديها الآخر من خلال استدعاء صورة أو صور منتقاة من التاريخ اشبه ما تكون رقعة في ثوب والاشتغال عليها وتضخيمها وتناسي المشترك الجميل والرائع للجماعة المتشكلة تاريخياً مدعية ان ثمة حقداً صامتاً يجب ايقاظه وتحويله الى وعي بالآخر اي الوعي الضدي ضمن المجتمع الواحد وهنا تكمن الخطورة وضرورة التصدي لها وتعريتها وفضحها لأنها ان تكرست ستكون مدمرة للاوطان والجماعات حتى لو كانت متباعدة جغرافياً لأنها ثقافة حاقدة وعابرة لكل الحدود واشبه ما تكون نفخاً في محرقة جماعية تنفجر في المستقبل.
إن وجود الطوائف والمذاهب والاعراق مسألة طبيعية في كل مجتمع يقوم على فكرة الدولة والمواطنة وسيادة القانون فالطائفة شيء والطائفية شيء آخر والمذهب شيء والمذهبية شيء آخر من هنا يبرز دور النخب الفكرية والسياسية في مواجهة قوى التطييف والتمذهب والعرقنة والشعوبيون الجدد والمتطرفون من كل الديانات والأعراق والمذاهب وتجفيف كل منابعهم ومغذياتهم وتعرية منابرهم والتأكيد على المشترك الوطني والقومي وابراز مساحات المشترك التاريخي لا الانتقائية التي لا تعرف سوى استدعاء ما يتناسب مع مصالح مشغليها من قوى الشر العالمي.
التالي