الثورة- حسين صقر:
مع حلول عيد الفطر، بكل ما سيحمله من فرح وسرور، وجمع شمل القريب والبعيد و”لمة” العائلة، والثياب الجديدة، يعيش الناس سكرة الفرح بالعيد، بعد أن كان الكبار والصغار يتحضرون ويستعدون لاستقباله تمهيداً للاحتفال به.
المنازل والبيوت كانت تشهد حالة استنفار مبكر حيث تتحوّل إلى ما يشبه خلية نحل تعج بالحيوية والنشاط، وكان النسوة يتوزّعن العمل فيما بينهنّ في تلك المنازل، بكل مودة وطيب خاطر، فأول ما يقمن به، كان تنظيف الدار خصيصاً للعيد، وعملية التنظيف هذه كانوا يسمونها “تعزيلة العيد”، كي يكون جاهزاً لاستقبال الضيوف والمهنئين بالعيد من الأقارب والأصدقاء.
لكن بعد أن أرهقت المواطن مصاريف شهر الصوم، وبات في ظل الغلاء الفاحش للأسعار في حيرة من أمره، يستقبل السوريون عيد الفطر وفي قلوب الكثيرين غصة كبيرة، وذلك لعدم قدرتهم على تلبية حاجيات ومتطلبات هذا اليوم، لأن أطفالهم لا يدركون معنى الغلاء وارتفاع الأسعار، وجلَّ همّهم تأمين مصروفهم ولباسهم وطعامهم وقضاء أجمل الأوقات مع أقرانهم في أماكن اللهو، بغض النظر عن كيفية تأمين تلك المتطلبات.
لكن من يشعر بالأسى والألم وحدهم الأهل، بعد أن نكّد الغلاء عيشهم، وسرقت الأسعار المرتفعة فرحة أبنائهم الذين ينتظرون العيد من عام لآخر.
ضغوطات
فبعد عدد من سنوات عجاف نتيجة الحرب العدوانية على سورية، وافتعال الحرب الظالمة والغادرة عليها، والمعاناة التي واجهها المواطن، يجد نفسه اليوم محاصراً بوضع اقتصادي يشلُّ حركته، ويجعله حائراً بتدبير أمره، ليفاجأ في كل يوم بأسعار جديدة وأعلى من اليوم الذي سبقه، وهو ما تسبب بضعف إقبال المواطنين على أماكن التسوق، ومن نجدهم في تلك الأماكن، يشكل الأغلبية منهم أشخاصاً للاستطلاع، ومعرفة تكاليف السلع التي يحتاجونها، لتصعقهم الأرقام المعلقة على واجهات المحال، سواء على الألبسة أم الحلويات، أم على الحاجات الأخرى المكملة للأكلات والأطعمة التي يحتاجونها في ذلك اليوم، وهو ما يخالف المعتاد في كل عام، بعد ارتفاع الأسعار وتحليقها إلى أماكن لا يطولها أصحاب الدخل الأقل من المحدود.
الكثير من السوريين يتحدثون عن قضاء عطلة العيد في منازلهم، ولاسيما أن ذلك ترافق مع ارتفاع تكاليف النقل، واستغلال أصحاب الآليات حاجة هؤلاء للتنقل وزيارة ومعايدة المقربين والأصدقاء، أو الذهاب إلى أماكن قريبة من محال إقامتهم لا تستلزم وسيلة مواصلات، وخاصة بعد أن أرهقتهم مصاريف الشهر الفضيل ومستلزمات العيد.
جشع البعض
أحد المواطنين قال: بالتوازي مع الظروف المعيشية الصعبة نجد أن جشع بعض التجار لا يقلُّ قساوة عن تلك الظروف، في ظل انعدام الرقابة والمحاسبة الجادة، وترك مصير المواطن لثلة لا تشعر بوجع الناس وآلامهم ومعاناتهم، وهو ما يخيب الآمال بقدوم أيام يرتاح فيها المواطن المغلوب على أمره من هموم أثقلت كاهله، وجعلته عاجزاً لا يقوى على فعل شيء أمام عائلته التي تتزايد مطالبها وحاجاتها.
لن تكتسي
وعبر آخر بالقول: إن أسرته مكونة من 6 أفراد، بينهم أربعة أطفال، وأضاف: بحسبة بسيطة وجد أنه إذا أراد أن يكسي نصفهم ويطعم النصف الآخر لن يستطيع بذلك الراتب المتواضع، هذا في حال تناسى متطلبات الشهر القادم بعد أن حصل على راتبه من أجل العيد، ما يعني أن الأيام القادمة سوف يقضيها دون أي مصاريف بمعنى أنه سوف يضطر للاستدانة وطلب العون من الآخرين، بعد أن خرج من شهر رمضان «على الحديدة» كما يقول.
أعباء إضافية
إلى ذلك، قالت إحدى ربات المنازل: إن الظروف الاقتصادية لا تطاق، ولن أكلف زوجي مصاريف فوق طاقته، وسوف نضطر لقضاء عطلة العيد في الشارع مع الأولاد دون الذهاب إلى أي مكان، وسوف نكتفي باللباس المتوفر لديهم، مع أن ذلك سوف يسرق فرحتهم وبسمتهم ويغتال براءة الطفل في داخلهم، وخاصة أن الذهاب إلى المنتزهات يحتاج إلى مصاريف لا نقوى على توفيرها.
الاقتصار على الرسائل
وقال أحدهم تحول العيد إلى تبادل التهاني والتبريكات على الهاتف عبر الرسائل النصية وتطبيقات التواصل وهذا ما اندرج أيضاً على مستوى العائلة الواحدة.
الموزعون وتجار المفرق.. السبب
أحد تجار المفرق ألقى باللوم على تحكم الموزعين وتجار الجملة بالأسواق، وقال نضطر لرفع الأسعار بحسب قيمة الفاتورة التي ندفعها، وهو ما ينعكس سلباً على المستهلك، وعندما سألناه عن التفاوت الكبير بالأسعار بين محل وآخر، لم يجب لأن هذا التفاوت سببه انعدام الرقابة والمحاسبة، وما شهدناه خلال الأيام الماضية لا يفي بالغرض، لأن ملعقة سكر واحدة لا تساهم بتحلية برميل من الماء، بعد أن بات همُّ المواطن السوري الحصول على وجبة وليس على مصاريف عيد أو مناسبة.
هذا ما عبر عنه البعض عن حال معظم السوريين، راجين أن تكون السنة الحالية وهذا العيد خاتم أحزانهم وآلامهم، وأن تمر الأعياد القادمة بخير وسلام.