بعد ما ألحقته المقاومة الفلسطينية بالكيان الصهيوني من ضربة موجعة ومذلة وقاصمة لم يتعرض لها منذ فترة طويلة في معركة طوفان الأقصى وتقاطر قادة الغرب حاجين ومعبرين عن تعاطفهم ووقوفهم إلى جانب كيان الاحتلال ودعمهم لكل ما يقوم به من إجرام، ومن بين هؤلاء وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أطلق تصريحاً لافتاً أثناء عودته بالطائرة لواشنطن يستحق التوقف عنده حيث قال : علينا أن نعمل على إدماج إسرائيل في المنطقة، ولاشك أن لهذا التصريح معاني ودلالات كبيرة فهو في جانب منه يدل على فشل ما سمي سياسة التطبيع مع الدول العربية التي أدرك الصهاينة وحلفاؤهم والمراهنين عليهم استحالة ذلك بدليل ما أنتجته معاهدة الصلح بين الحكومة المصرية وإسرائيل والتي مضى عليها 46 عاماً دون أن تحدث أي تأثير في موقف الشعب المصري من إسرائيل حيث استمرت صورتها في وجدان الشعب المصري صورة العدو وكذلك الأمر مع الفلسطينيين والأردنيين في أوسلو ووادي عربه ما يعني أنه لا يمكن للعرب ان يستوعبوا نسخة يهودية صهيونية لتندمج أو لتدمج في بيئتهم وهويتهم وثقافتهم، فهي جسم غريب ولايمكن التطبيع معه في بنيتهم الحضارية ولعل الحديث عن تطور صهيوني علمي ومعرفي يجب أن يستفيد منه على حساب هويتهم وقيمهم وتاريخهم فهذه مسألة لا معنى لها فالتطور العلمي هو صناعة وإرادة وطنية يمكن لأي دولة تحقيقها عبر سياسات علمية وتطور تقاني ومعرفي يقوم على جودة التعليم.
إن الكيان الصهيوني الذي زرع في ظل توازن قوى ليست في صالح العرب مع وجود مؤشرات حقيقية تشي بأفول العصر الأميركي وفي ظل نظام دولي يتفكك ويتراجع مع إرهاصات حقيقية لتشكل نظام دولي جديد يقوم على الشراكة لا الاستئثار، ما يعني أن اسرائيل التي نشأت في ظله تواجه نفس مصيره بالتفكك والزوال.
لقد استطاع العرب تاريخيًا هضم كل الحملات الاستعمارية التي واجهتهم وتمكنت من احتلال وغزو أراضيهم سواء كانوا روماً أو فرساً أو مغولاً، ومع ذلك لم تستطع أياً من هذه الامبراطوريات هضم العرب لأن الحضارة العربية راسخة وقوية ومتجددة فيها لغة ودين وثقافة وقيم خالدة فالجغرافية العربية قد تكون سهلة المنال في بعض الظروف التاريخية ولكنها عسيرة الهضم ومستحيلة الذوبان فهي من أثرت في ثقافة من استعمرها إما بدخول الإسلام أو التأثير في اللغة والثقافة كما حصل مع الفرس والأتراك والتتار الذين دخلوا الإسلام فالحضارة العربية قوية وراسخة ومستمرة ومبدعة وليست كغيرها ممن أصبح في متحف التاريخ.
إن الكيان الصهيوني كان وسيبقى جسماً غريباً ومنبوذًا لأنه غريب عن هوية المنطقة وتاريخها وثقافتها وهو كيان استعماري يمثل رأس حربة للغرب وأنموذجاً مشوهاً له والعداء لهذا الكيان الاستعماري الاستيطاني هو بسبب أنه حالة استعمارية لأرض عربية وليس عداء للديانة اليهودية بوصفها ديناً فحالة العداء كانت ستحصل بغض النظر عن ديانة ذلك المستعمر فهي حاصلة لجهة أنه حالة استعمارية فقط.