الإبداع الإنساني واستلهام التاريخ..

الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
كان ولايزال الإبداع ابن بيئته..ووليد ظروفها وانعكاساً لحياتها فالبيئة هي الحاضن الشرعي للإبداع بكل صنوفه وانجازه ..الأدب/ شعره ونثره بمافيهما القصيدة والقصة والرواية ….والنص المسرحي…/ الفن التشكيلي بفنونه التي تزيد على العشرة..التصويري والتطبيقي…والخط العربي والزخرفة والنمنمات والنحت…وسوى ذلك..مثل الموسيقا والغناء والدراما …وكل إبداع
وقد حرص المبدعون على جعل التاريخ خلفية لمنجزهم الإبداعي مستلهمين أحداثه وانتصاراته ممجدينها…وأبطالها ومتخذين تفاصيلها أحياناً ميداناً لهذا الإبداع…وتوثيقاً له ،دون أن ينحدر بفنيته نحو التقريرية والسردية المباشرة وذلك اعتماداً على ثقافة ومهارة المبدع وإحاطته بالحادثة التاريخية..يعرف كيف يقتبس منها ماينفع رسالته الأدبية ويفيد نصه ويوصل رؤاه إلى المتلقي بتقنية فنية عالية تعينه على هذا امتلاكه أدواته الكتابية والفنية العامة والخاصة للمنجز الإبداعي…
فاستلهام التاريخ عملية محفوفة بالمخاطر لمن لايمتلك الرؤية الحقيقية للحدث..
أسبابه..وحوادثه ونتائجه العامة والخاصة…
وميداننا الإبداعي العربي وساحتنا الثقافيه قد ازدحمت بالمبدعين الذين وقفوا موقفاً ايجابياً من التاريخ فاستلهموه في أعمالهم..
على سبيل المثال لاالحصر..:
احمد شوقي..محمود سامي البارودي..عمر ابو ريشة..نزار قباني..
ومحمد الماغوط والشعراء والكتاب الفلسطينون والعراقيون والمصريون…
والفنانون غازي الخالدي..والخطاط محمد غنوم…..
والعديد من أعمال الرحابنة في مسرحياتهم واغنياتهم…
والفنان مارسيل خليفه في أغانيه الوطنية والقومية….
هذا ولو توقفنا لاستعراض هذه التجارب ماكنا لننتهي…
وقد افردت جريدة الثورة في هذا العدد من ملحقها الثقافي الجديد ملفاً عنوانه: استلهام التاريخ في الابداع – شعر – تشكيل دراما – موسيقا ……هل يقارب الموضوعية أم تحكمه الميول السياسة والايديولوجية ….
طرحنا العنوان على بعض المبدعين والكتاب والمهتمين..
وللأسف كانت الاستجابه خجولة…..
فبم أخبرنا من شاركنا ملفنا هذا؟…
*- استلهام التاريخ..نظرة عامة..
الشاعرة نرجس عمران قدمت رؤيتها قائلة:سأقدم نظرة عامة عن كيفية تعامل المبدعين مع التَّاريخ في الشِّعر، والتَّشكيل، والدّراما، والموسيقا.
١-الشِّعر
– يعتبر الشِّعر وسيلة قويةً للاستلهام من التَّاريخ والتَّعبير عنه. يمكن للشاعر أن يستخدم الأحداث التَّاريخية كمصدر للإلهام، سواء كان ذلك من خلال الغول بالأبطال أو الوقوف على اللحظات المحوريّة.
ويمكن أن يكون الشٍّعر موضوعياً أو شخصياً، ولكن يعتمد ذلك على المبدع ورؤيته الفنية.
٢-التَّشكيل:
– يمكن للفنانين التشكيليين أن يستلهموا من الأحداث التَّاريخية لإنشاء أعمال فنيّة. قد يكونوا مستوحين من في ذلك من الحروب، أو الثورات، أو الشَّخصيات التَّاريخية.
يمكن أن يكون التًّشكيل موضوعياً أو تعبيرياً، حسب رؤية الفنان.
٣-الدراما:
– تعتبر الدراما التَّاريخية جزءاً مهماً من الإبداع. يمكن للكتّاب والمخرجين أن يستلهموا الأحداث التَّاريخية منه لإنشاء مسلسلات وأفلام تلفزيونية.
و يمكن أن تكون الدراما موضوعيّة أو تخيليّة، وتعتمد على الرُّؤية الفنيّة والأهداف المحددة.
٤-الموسيقا :
– يمكن للموسيقيين أن يستلهموا من الأحداث التَّاريخية لإنشاء قطع موسيقيّة. قد يكونوا مستوحين من الحقب الزَّمنية المختلفة أو الشَّخصيات التَّاريخية.
ويمكن أن تكون الموسيقا موضوعيّة أو عاطفيّة، وتعتمد على الألحان والإيقاعات.
أمابالنسبة للموضوعيّة والميول السياسيّة والأيديولوجية، فإنَّها تعتمد على الفنان نفسه. فقد يكون هناك مبدعون يسعون للموضوعيّة والتعبيرالفني النقي، بينما يمكن لآخرين أن يستخدموا الفن للتعبير عن آرائهم السياسيّة والاجتماعية. ولكن الأهم هو أنَّ الفن يعكس تجارب الإنسان وتاريخه بطرق متعددة ومتنوعة.
وأما موضوع المصداقية فهو ذاتي بحت يتعلق بمفاهيم الفنان الخاصة..
*- الإبداع يحمل صفة الخلق الجديد والشذوذ..
هكذا عنون الأديب والناقد الطبيب زهير سعود رؤيته وحديثه إلينا:
استلهام التاريخ في الإبداع لا يمكنه أن يحمل صفة «الموضوعية» لو أراد أن يكون إبداعاً حقيقياً، فالإبداع يحمل في صلبه الشذوذ، وكلّ إبداع قائم على حرف الوقائع عن مسارها الصحيح. فالنقل الموضوعي لوقائع التاريخ من خصائص المنطقة الباردة للشعور، وعمل المؤرخ وما ندعوه بإبداع النقل لا تخرجه صفاته عن الصدق والنساوة وحسن الذاكرة وكمال التتبّع وحسن الرصف وسلاسة التعبير، أما الإبداع في التأريخ فقوامه «الكذب والجنون» كما عرّف لنا «كوهن وبارت» الأسلوب، وربّما من الأجدى بالسؤال أن يقول: هل من حقّ المبدع أن يحمّل الأحداث والشخصيات التاريخية عكس ما ظهرت عليها في الحقيقة؟.. لتحقيق مكاسب تناسب ميول «المبدع» السياسية والأديولوجية، كأن نقول دراكولا كان «طيّباً» والمسيح كان «شرّيراً» وراسبوتين نبيّ الشرق…
إن كل عمل إبداعي هو عمل متطلّب لقراءة عميقة فيما تضمّنه بياض الكتابة أو ماندعوه «ما وراء السطور» وما تطلبه الموضوعية من العمل الإبداعي ألا يحمل تغريبه عن الواقع ما يقلب الحقائق فيجعلها بعيدة عن سياقها التاريخي، فتحمل في ندائها أكاذيب المنطق في الحدث أو نعت الشخصية، كأن يجعل بعض ذميمي النفس أعظم شخصية في التاريخ حسب «مايكل هارد» مغتصب للأطفال. لقد بدت عظمة شعر نزار قباني في غاياته أكثر بكثير من دقّة حرفه ونقله للحقيقة، ففي عرضه لدونية الأنثى الشرقية وبطش الذكر يقول: «كنا ثمانية معاً، نتقاسم امرأة جميلة، كنّا عليها كالقبيلة». فهل حقّاً هذا ما يحدث في السلوك أم إنه غلوّ في نقل الحقيقة يكسب الفنّ مهارته، وهل نقل عالم الاجتماع ابن خلدون حقيقة العربي حين كتب في مقدمته: «العرب أمة وحشية لو أصابت حضارة هدمتها، وبنت من أخشابها خيماً تقيم فيها». فكيف لتلك الأوابد والآثار والمواقع والرقم البقاء لو حمل العربي تلك الغلظة، ثم هل من بعد هذا التصنيف السكاني لابن خلدون امتلاكنا الحقّ في تسفيه نظرياته في علم الاجتماع. ما أريده في الختام وفي هذا الحيّز الضيّق هو القول: إن إبداع التأريخ مختلف نوعياً عن استلهام التاريخ في الإبداع، وإن أي عمل إبداعي يقوم على الشذوذ باعتباره حرفاً للمألوف، لكننا في نهاية المطاف لا نستسيغ استثمار الإبداع لتشويه التاريخ، كما إننا لا نستسيغ النقل الحرفي للواقع، لإنه فاقد لفنّية الإبداع، ومما لا شك فيه أننا ضحيّة التأريخ والإبداع في سياقة التاريخ، وقد وعى الغرب هذه الظاهرة وتأثيرها على الذاكرة الإنسانية، فيما قدّمته الرواية والسيناريو والسينما على وجه الخصوص، باعتبارها من أهم المقاصد اللغوية البصرية، فالمشاهد لفيلم كرايتون الأميركي «المحارب الثالث عشر» يستمتع عند لحظة وداع المحاربون «الفايكنغ» لصديقهم الثالث عشر «العربي» عمر الشريف على شاطئ بلاده وهم يقولون له: «لنا عودة لبلادك الجميلة» والمتابع الباحث في رحلة ابن فضلان لبلاد الشمال، سوف يكتشف حجم التشويه وقلب الحقائق الذي تعرضت له تلك الرحلة، وهي رحلة حدثت في القرن العاشر وزمن المقتدر العباسي، فكثر ممن درس تلك الرحلة وقع ضحية قراءة كرايتون وإخراجه السينمائي المتعصب، كما حدث للكاتب محمد غنيمة. وما حدث للتاريخ الفيتنامي في السينما الهوليودية دلائل ناجزة عن فظائع تسييس الإبداع وحرف مسار التاريخ عبر وسائله…
                       

العدد 1185 –16-4-2024      

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة