كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
تأتي الذكرى الثامنة والسبعون لجلاء آخر جندي فرنسي عن الأرض السورية اليوم والسوريون بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم يواصلون خوض معركة المصير في مواجهة الغرب الاستعماري وأدواته الإرهابية على الأرض، ويقاومون كل أشكال الحصار الاقتصادي الخانق الذي يستهدف لقمة عيش السوريين، والذي تفرضه الولايات المتحدة، وأتباعها الأوروبيون، بعدما فشلوا في كسر إرادة السوريين خلال الحرب الإرهابية، وتداعياتها المتواصلة حتى اليوم، حيث مازال الشعب السوري يسطر أروع الملاحم البطولية، مستمدا قوته من تضحيات الأجداد الذين حافظوا بدمائهم الطاهرة على وحدة واستقلال بلدهم، وكلهم إيمان بأن الانتصار هو الخيار الوحيد ليبقى وطنهم حرا ومستقلا.
اليوم نحتفي بالجلاء، ونحن أكثر قوة وصلابة وإيماناً بالوطن، نحتفي بالذكرى ورجال الحق، أبطال الجيش العربي السوري، يقدمون التضحيات الجسام في سبيل دحر ما تبقى من فلول الإرهاب والقوى الغازية الداعمة لهم, وهم بصمودهم يرسمون ملامح غد مشرق يليق بكبرياء سورية، ويضعون مداميك عالم جديد, تتحطم فيه هيمنة القطب الأوحد، الذي يفيض إرهابا وقتلا، ويحن من خلاله الغرب بقيادة الولايات المتحدة، إلى العهود الاستعمارية القديمة.
سيرورة الأحداث تؤكد أن جلاء المستعمِر الفرنسي كان نتيجة حتمية لنضال طويل وشاق بدأه السوريون منذ أن حاول هذا المستعمِر فرض شروطه على سورية عبر ما سمي إنذار غورو في الـ 14 من تموز عام 1920 والذي حمل مطالب لا يمكن القبول بها، بينها تسريح الجيش وقبول الانتداب الفرنسي دون شروط، فتصدى له أبناء شعبنا بما يملكونه من إيمان وعزيمة واستشهد العديد منهم في معركة غير متكافئة في ميسلون ليثبتوا أن السوريين لايمكن أن يقبلوا الذل ولو كانت حياتهم الثمن لذلك.
اليوم يجدد السوريون عهدهم على مواصلة النضال والكفاح، ضد قوى الاستعمار القديم بلبوسه الجديد، مستمدين قوتهم من تضحيات أجدادهم الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل دحر المستعمر الفرنسي، من خلال الثورات الوطنية في الشمال وجبال الساحل وحوران وجبل العرب والزاوية ومنطقة الجزيرة وحماة وغوطتي دمشق، قادها مناضلون شرفاء أمثال سلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وأحمد مريود وفوزي القاوقجي وحسن الخراط وسعيد العاص ومحمود الفاعور وغيرهم الكثيرين، حيث كرست تضحياتهم وحدة الدم السوري في مواجهة الاستعمار ومخططاته التقسيمية، لتثبت أن طريق الاستقلال والسيادة والخلاص من الاستعمار لابد أن يعبّد بدماء الشهداء.
الوحدة الوطنية التي لازمت السوريين طوال تاريخ وجودهم، هي التي حققت نصر الجلاء من قبل، وستنجز النصر النهائي على الإرهاب وداعميه اليوم، ورجالات ثورة الجلاء والاستقلال الأوائل، سيبقون في ذاكرتنا مشاعل نور تضيء الطريق للأجيال القادمة.