الثورة – رفاه الدروبي:
حين يرحل الكاتب عن الأرض يتسع تكوين المجاز ويذهب جسده بعيداً، لكن ثمة ما يتشكِّل كندبة فينا.. هو واحد من أهمِّ الإعلاميين السوريين الذين نذروا أنفسهم للمشهد الثقافي ومتابعته- رصداً وتحليلاً وتوثيقاً- عبر برنامجه الشهري “كاتب وموقف”، كلمات بدأها الشاعر والإعلامي علي الدندح في ثقافي أبي رمانة.
الإعلامي الدندح تابع: إنَّ عبد الرحمن الحلبي لم يترك قضية ثقافية تخطر على البال إلا وناقشها مع من هم أهل لها، وكان من أهمِّ البرامج الحوارية الإذاعية في الجمهورية العربية السورية على مدى أربعين عاماً، وتمكن من متابعة الحركة الثقافية باهتمام، وفاق كلَّ الندوات عن تجربته في الأدب والأهمُّ النقد لمساحة من الضوء تفرش لمتلقي النص بطريقة عنيت في السرد والشعر وصولاً إلى السينما والمسرح.
الكاتب والإعلامي داود أبو شقرا بيَّن أنَّ الإنسان يؤدي دوره في الحياة ويرحل ليس إلى دار الفناء، وإنَّما الخلود، ولكنَّ الحديث عن مآثر رجل قدَّم رسالة وصلت إلى الكثير ممن تابعوا برنامجه واعتبره ظاهرة فريدة شكَّلها في الإعلام السوري، فقد تخصص في البرامج ذات الصيغة الحوارية كونها مسألة غاية في الصعوبة، لأنَّ أي إذاعة تسخر طاقماً كاملاً من المذيعين أو مقدمي البرامج، لكن من مئة واحد، نجد منهم ثلاثة في تقديم البرامج، وكلّ مقدم برنامج يظهر محاوراً من الممكن أن لايتمتع بصوت رخيم، لكن يستطيع أن يقدم مادته لأنَّه يتمتع بفكر تحليلي نقدي، سواء أكان محبَّاً أم كارهاً لها، ويضعها على بساط البحث ليعطيها حقها في التناول، ولكي تتبلور المادة وتظهر إمكانية ربطها بالمجتمع.
وأشار الكاتب أبو شقرا إلى أنَّ عبد الرحمن الحلبي كان من هؤلاء النادرين في الإعلام السوري والعربي ممن قدَّموا الموضوع وأعطوه حقه من ناحية واختياره للضيوف والموضوعات لمناقشتها، وكأنَّه يتوسَّم في المشهد الثقافي العربي والسوري ويوائم بين اللوحة والأخرى ليشكِّل في النهاية شكلاً أو بانوراما عامة للمشهد الثقافي ومحبته يكسب كثيراً من الأصوات وحتى من لا يتواءم معه ومع إذاعة دمشق.
ثم أوضح خلال حديثه أنَّ الحلبي كان يستضيف ضيفاً للمادة المعدة من خبراء كبار، كي يحللوا ويقدموا وجهات نظرهم المختلفة ويعالج المسألة، سواء أكان موافقا للفكرة أم معارضاً لها، فيعطيها منحى من خلال الطريقة الأكاديمية لمعالجة الموضوع والطريقة، واعتبرها من الحالات الفريدة في إعلامنا العربي والسوري، ولابدَّ من تكريسها بتدريب الكوادر عليها لتبقى، وإعطائها حقها من قبل متخصصين في المادة الإعلامية.
بدورها الإعلامية هدباء العلي أكَّدت أنَّها عرفت الحلبي من فترة متأخرة من حياته، ولم تكن على مقربة منه على المستوى الشخصي، وإنَّما متابعة لبرنامجه، ودافعت عنه عندما كانت في لجنة البرامج في إذاعة دمشق. مشيرة إلى أنَّه مفخرة لبرنامج استمر أربعة عقود، ليس بالأمر السهل أن يحظى الإعلامي الإنسان بالاهتمام ،عمل بالدأب ذاته والاجتهاد والقدوة دائم على التجدد، قدَّم منتجاً يحتذى به للإعلامي المتميز نوعاً وأداء، منوِّهة بأنَّها وكثيراً ما طالبت بتدريب كوادر جدد لضمان استمرار البرنامج بمحتواه القيم وقيمته البرامجية لتناوله قضايا ملحة، وبتمتعه بهامش كبير من حرية التعبير، ويسجل له الجرأة والشجاعة في الطرح بموضوعية في الآن ذاته لبرنامج يمكن أن يكون مرجعاً لطلاب كلية الإعلام والعاملين في إذاعة دمشق.
من جهته وائل عبد الرحمن الحلبي تحدث عن والده: إنَّ حياته كانت مليئة بالثقافة والمعرفة، لم يكن أكاديمياً، وإنَّما ثقف نفسه بنفسه من خلال القراءة والمطالعة والعمل الدائم في مجال الثقافة، وماتركه من إرث حضاري كبير، رافضاً فكرة التكريم في حياته لأنَّه اعتبر نفسه يؤدي واجبه، مشيراً إلى ضرورة تدوين عمله أو تحويله إلى مقاطع رقمية توضع على الشابكة كي يكون مرجعاً ويتمكن كل من يريد التعرف عليه بالاستماع إليه.
ولفت إلى أنَّ برنامج “كاتب وموقف” بدأ عام ١٩٦٩ وعلى مدار السنوات استمر بتقديم ندوة كل شهر تقسم إلى حلقات عبر إذاعة دمشق، وبفترة ليست بعيدة أوقف البرنامج إذاعياً، لكنّه استمر في الندوات من دون أن تبث حلقاته جماهيرياً، ولم تصدر مطبوعات له، لكن كتب الكثير في الصحف اليومية السورية والمجلات منها عالم المعرفة، الأزمنة، فنون.