الثورة – أحمد صلال – باريس:
هذا الفيلم الأول الذي صُوّر بين القاهرة والإسكندرية، رقيقٌ ونابضٌ بالحياة، ويحمل في طياته أجواءً من الفرح والرقة تُميّز أفلام “ألمودوفار”، وقد حقق نجاحا باهراً.تؤدّي نادين لبكي شخصية “سو” قصص التي تعمل في سويسرا، وتتلقى مكالمة من عمتها التي تجسّد دورها “منحة البطراوي”، مفادها أنّ والدتها “فيروز”، “فاني أرادان” أصيبت بجلطة دماغية، وعليها العودة إلى مسقط رأسها في الإسكندرية لرعاية والدتها المريضة، تنقلب حياتها وتعود إلى مصر في اليوم التالي.
تضطر سوسي، المعروفة باسم “سو”، إلى السفر إلى مصر حيث نشأت، لأن والدتها، على ما يبدو، أصيبت بنوبة قلبية، ويزداد الأمر إلحاحا عندما تظهر الأم في منزلها الفرنسي، برفقة طفل صغير غامض.حقيقة؟ هلوسة؟ هذا هو جوهر هذا الفيلم الأول، من إخراج مخرج سويسري، يعود تاريخ كتابته إلى عام ٢٠١٦، يُظهر هذا النضج اللازم لهذا المشروع السينمائي، إذ يجمع المخرج بين الممثلات الرائعات “فاني أردان” ونادين لبكي ومنحة بطراوي.ها نحن في فيلم عن النساء، الأمهات، البنات، العمات، وبنات الأخوات، تحاول كل منهن جمع خيوط قصة مليئة بسوء الفهم والانفصال والصدمات، البطلة طبيبة نفسية، وربما يكون الماضي المظلم هو ما دفعها إلى ممارسة المهنة.
يتميّز فيلم “العودة إلى الاسكندرية- وحشتيني” في المقام الأول بالعناية الفائقة بالتصوير والألوان، يُصوّر المخرج السويسري من أصول مصرية تامر روجلي مصر، وتحديداً الإسكندرية والقاهرة، بلمسة فنية مُلائمة، تبدو الألوان الزاهية، وديكورات المنازل والشوارع، وكأنها مستوحاة من أفلام “ألمودوبار”، إلا أن أحداثه لا تدور في إسبانيا، تُضفي الشخصيات النسائية، على غرار المخرج الكبير، طاقةً وشخصيةً استثنائيتين، مُبرزةً تناقض المشاعر والحدود الحساسة بين الذكورة والأنوثة، وهكذا يُقدّم المخرج عملا مُبهجا وأنيقا، حيث يُمنح عمل الممثلة مكانة بارزةً.ما كان لهذا الفيلم أن يكون بهذه الجودة لولا الجهد المبذول في الأزياء والإكسسوارات، تُصوّر مواقع التصوير أجواءً داخليةً مختلفةً تماما، تُجسّد معالم بلدٍ، مصر، في صعود اجتماعيّ مُتكامل، حتى وإن لم تنجُ الفئات الفقيرة من هيمنة الطبقات الثرية، بدءاً من الخدم الذين يُعنون بالحياة اليومية للأم والخالة، لكن العلاقات الاجتماعية بينهما تبقى مُشبعةً بالكرامة والاحترام، إذ تبدو حياة “سو” الغربية أكثر غموضاً وخارج الإطار الاجتماعي للأبطال المصريين.لابد من الإشادة بأداء الممثلات الثلاث الرئيسيات اللواتي يُضفين حيويةً على الفيلم، فوجودهن طوال القصة يُجسّد مصر، حيث نرى أحيانا نساءً يُقدّمن صورةً عصريةً ومتجددةً للمرأة، حيث تشهد الأهرامات الشهيرة على ماض عريق وحضارة عريقة.مع ذلك، لا يجعل هذا الفيلم سياسياً، يستمتع المخرج بإخراج ثلاث نساء، مختلفاتٍ بقدر ما هنّ متكاملات، يُعِدنَ، على طريقتهنّ الخاصة، قصة حياتهن، سواءً كنّ حقيقياتٍ أم خيالات، لا تُترك أيّ منهنّ غير مبالٍ.”استغرق العمل نحو تسع سنوات”، وفق المخرج تامر روجلي، متحدثاً للإعلام أنّ الفيلم يرصد جانباً من حياة والدته وجدّته التي عايشها في طفولته، وأراد تقديمها في عمل فنّي بنظرة نسائية.الفيلم الذي عُرض في مهرجانات سينمائية خلال الأشهر الماضية، بدأ عرضه في مصر بسينما “زاوية” “وسط القاهرة”، ضمن “أيام القاهرة السينمائية” الممتدّة لثلاثة أشهر.
صُوّرت معظم مشاهده بين حيّ الزمالك في القاهرة ومدينة الإسكندرية، وشارك العمل في مهرجانات من بينها “مهرجان سينما الجنوب” في مدينة ليون الفرنسية، و”هوليوود للفيلم العربي”، بالإضافة إلى مهرجان “بكين السينمائي الدولي”.مفاجأة سينمائية سارة، لا يسع المرء إلا أن يأسف لقلة المشاهدة على الشاشات الفرنسية، التي كانت ستستفيد من عرض شخصيات نسائية مكتملة اجتماعياً في بلد مثل مصر، الرجال نادرون في الفيلم، وعندما يظهرون، يكونون غير مثيرين للاهتمام على الإطلاق، وقد تحلى المخرج بالشجاعة لتصوير مجتمع يتجه نحو التحرر بفضل النساء.