الثورة – فؤاد العجيلي:
في حلب القديمة، حيث تعانق رائحة الصوف العتيق نسمات التاريخ، يجلس الحرفي عمر رواس “50 عاماً” في ورشته المتواضعة بين أكوام من السجاد الملون، مبحراً في الذكريات.
وفي عمله لا يقتصر على إصلاح السجاد وإنما يستعيد الذاكرة خيطاً خيطاً، ويرقع الزمن بأنامله التي تشبه خريطة للحرفية الأصيلة.

بتواضع من أدركوا سر المهنة، يقول عمر: “هذا المكان هو عالمي الكامل، ورثت مهنة رتي السجاد عن العائلة في حلب، عرفنا كعائلة الرواس بهذه الحرفة، ولم أختر الطريق، بل ولدت بين خيوط السدى واللحمة، وتربيت على همس الأنوال، فتشبثت روحي بهذا التراث”.
ويوضح قائلاً: “يظن الناس أنني أصلح السجاد، لكنني في الحقيقة أعالج ذكريات الناس، كلّ سجادة تحمل قصة، هذه السجادة الحلبية العتيقة شهدت أفراحاً واجتماعات عائلية، وتلك حفظت دفء بيوت حلب، مهمتي ليست استعادة الألوان والنسيج فحسب، بل إعادة الروح للحكايات”.
ويضيف “الرواس”: عملية الرتي معقدة كقراءة كتاب مفتوح، أنظر إلى الخيط المقطوع فأعرف من أين جاء وأين يجب أن يعود، أمسك إبرتي “المخارز” كما يمسك الطبيب مشرطه بدقة وأمانة، الخيط الذي أضيفه ينبغي أن يكون نسخة طبق الأصل عن الخيط الأصلي في اللون والسماكة والملمس، إن أخطأت فكأنني شوهت بيتاً من قصيدة جميلة.
بهذه الكلمات البسيطة والعميقة، يلخص الحرفي عمر رواس إرثاً حيّاً يواجه شبح الاندثار، إنه ليس مجرد رجل يصلح السجاد، بل حارس للجمال الخفي، ونسّاج للاستمرارية في زمنٍ يكاد ينسى أن الأصالة كنز لا يعوّض.