المؤسسة العامة للسينما.. بين الإرث المثقل ومحاولات الإصلاح

الثورة – صالح العويتي:

طوال عقود طويلة، ظلّ الجدل محتدماً حول دور المؤسسة العامة للسينما بوصفها جهة ثقافية يُفترض أن تطوّر العمل السينمائي وتدعم العاملين فيه.

انقسمت الآراء بين صُنّاع وكتّاب اتّهموا المؤسسة بتكريس السيطرة على مفاصل الإنتاج وإقصاء المواهب الشابة، وبين آخرين اعتبروا أنفسهم “حرّاساً” لأبوابها في مواجهة ما وصفوه بالابتذال التجاري و”المؤامرات”.

وبين هذين الطرفين، بقيت أحلام عشرات السينمائيين الشباب حبيسة الرفوف والمقاهي، ينتظرون فرصة لتنفيذ أول أفلامهم بتمويل يفترض أن يكون وطنياً وعادلاً.

وهنا يبرز السؤال الأهم: هل شكّلت المؤسسة فعلاً جزءاً فاعلاً من الهمّ السينمائي والثقافي للسوريين؟ وهل سعت يوماً إلى جعل السينما جزءاً من الوجدان العام؟

ضمن مقاربة النظام المخلوع للثقافة والفن، اختُزلت السينما في بضع صالات مهترئة، وعدد محدود من الأفلام السنوية، ومهرجان دمشق السينمائي الذي توقّف منذ عام 2011 وكان أشبه بواجهة سياسية تخدم النظام أكثر مما يكون فعلاً ثقافياً حقيقياً.

واليوم، وبعد التحرير والانتقال إلى مرحلة أكثر انفتاحاً، يعود سؤال الدور والوظيفة، أي سينما نريد؟ وما الذي يمكن للمؤسسة أن تقدّمه لإعادة بناء علاقتها مع الجمهور وصنّاع الفن السابع؟

من التأسيس إلى التسييس

أُسست المؤسسة العامة للسينما مطلع ستينيات القرن الماضي تحديدا في عام ١٩٦٣، حيث شكّلت إطاراً أساسياً للإنتاج السينمائي في سوريا.

ورغم حضورها في إنتاج بعض الأفلام الروائية المهمة في البدايات كفيلم رجال تحت الشمس للمخرج محمد شاهين عن رواية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ، بقي مسارها خاضعاً لسلطة الرقابة السياسية التي حدّدت طبيعة الأعمال واتجاهاتها حسب مفهوم السلطة القائمة.

وحسب باحثين مختصين، فإن جزءاً كبيراً من الإنتاج كان يدور في فلك الأيديولوجيا الخطابية للنظام المخلوع، ما جعل السينما السورية محصورة في مهرجانات ومناسبات معينة، من دون قدرة على بناء صناعة مستدامة أو حضور اجتماعي مؤثر، إلى جانب ذلك، احتفظت المؤسسة بدور شبه احتكاري في الإنتاج والتوزيع واختيار المشاريع، فيما تراجعت المبادرات الخاصة وتعرّضت التجارب المستقلة للتضييق أو الإهمال الى حد كبير.

على الرغم من وجود استثناءات قليلة استطاع منتجوها تمرير بعض الرسائل لأداء السلطة مثل فيلم “الحياة اليومية في قرية سورية” للمخرج عمر أميرالاي والكاتب سعد الله ونوس، الذي قدّم نقداً مباشراً لواقع الإنسان المهمّش في الريف السوري.

الثورة.. سينما تخطت الحدود

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، اتجهت المؤسسة لإنتاج أفلام ووثائقيات تكرّس رواية النظام المخلوع في حربه على الشعب.

بقيت هذه الأعمال حبيسة جمهور صالات المؤسسة، بينما مُنع بعضها بسبب احتوائه مشاهد تعبّر ولو بشكل بسيط عن الواقع، مثل فيلم حيّ المنازل لغسان شميط وذلك لمجرد ظهور صورة لتظاهرة احتجاجية ضد النظام جرت في سوق الحميدية عام 2011

في المقابل، نشأت سينما موازية خارج الإطار الرسمي، قدّمها صنّاع مستقلون وثّقوا الوقائع اليومية للثورة وحققوا حضوراً عالمياً في أهم المهرجانات الوثائقية، من أبرزها فيلم “من أجل سما” لوعد الخطيب وإدوارد واتس (أفضل وثائقي – مهرجان كان 2019)، وفيلم “الخوذ البيضاء” (أوسكار أفضل فيلم قصير – 2017).

تولد عن ذلك مشهد سينمائي مزدوج، سينما المؤسسة المتمسكة بسردية النظام في حربه على شعبه، وسينما مستقلة بإمكانيات محدودة استطاعت ملامسة الواقع السوري والانفتاح على العالم.

تحديات المرحلة الجديدة

في هذا السياق، تبرز اليوم جملة من التحديات أمام القائمين على المؤسسة العامة للسينما، يأتي في مقدمتها إعادة تنظيم العمل الإداري بوصفه خطوة أساسية لوضوح الرؤية في المرحلة المقبلة.

أيضاً قضية تنشيط دور العرض السينمائي على نطاق واسع رغم محدودية الإمكانيات وهيمنة الدراما التلفزيونية على المشهد جماهيرياً وتجارياً.

ويشكّل دعم المعهد العالي للسينما محوراً آخر، باعتباره مؤسسة تعليمية حديثة لا تزال بحاجة إلى تطوير أدواتها وتشجيع خريجيها بعد سنوات من غياب التعليم السينمائي الأكاديمي، وهو الغياب الذي استثمره النظام السابق للتحكم بالإنتاج وتوجيهه فكرياً.

إلى جانب ذلك، تبرز ضرورة فتح قنوات تعاون مع السينمائيين المستقلين ومنحهم مساحة حقيقية لعرض أفكارهم ومشاريعهم أمام الجمهور.

وفي تصريح سابق لمدير المؤسسة العامة للسينما، الفنان جهاد عبدو، خلال إطلاق تظاهرة السينما السورية في أيلول الماضي، أكد أن المرحلة المقبلة ستشهد “خطوات متتابعة لطي صفحة الفساد السابقة وفتح الباب أمام المواهب الجديدة لإنتاج أعمال تعكس واقع السوريين بصدق”.
بين إرث ثقيل يمتد لأكثر من نصف قرن، وآمال معلّقة على التغيير والإصلاح، تقف المؤسسة العامة للسينما اليوم أمام استحقاق حقيقي يترقبه صناع ومحبو الفن السابع، إذ يبدو أن تطوير هذه المؤسسة، وتحويلها إلى منصة فاعلة للإنتاج والتدريب والتوثيق، لم يعد ترفاً ثقافياً، بل ضرورة لإعادة بناء المشهد السينمائي بوصفه جزءاً أساسياً من حياة السوريين.

آخر الأخبار
خطوة ذهبية باتجاه "عملقة" قطاع الكهرباء بين واشنطن وموسكو وبكين.. دمشق ترسم سياسة خارجية متوازنة مشاعر الأمومة الفطرية والتعلق المرضي... أين الصواب؟ شباب اليوم.. طموح يصطدم بجدار الفرص المحدودة الصين تعلن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا الأوجاع المؤجلة.. حين يتحوّل الصبر إلى خطر "سوق الجمعة".. اقتصاد شعبي وسط الضجيج إدمان الإنترنت.. التحدي الرقمي للشباب كيف نتعامل معه؟ "صناعة حلب" تواصل استعداداتها لانطلاق "مهرجان التسوق" سوريا تبدأ موجة من الدبلوماسية القوية بعد سقوط الأسد استياء شعبي بعد رصد صورة لـ "المخلوع" داخل "تربية حلب" الانتخابات في سوريا.. الوزير الشيباني يطرح ملف الشرعية الشعبية إنتاجية زيت الزيتون بدرعا في أدنى مستوياتها.. وأسعاره تتجاوز المليون ليرة ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية.. بين محدودية الدخل و"الهروب إلى البالة" لا زيادة على الغاز: "الطاقة" تؤكد وفرة المخزون واستقرار الأسعار بعد دخولهم المياه السورية بطريقة غير قانونية.. دمشق تسلّم 17 لبنانياً إلى بيروت الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أربعة شبان سوريين بعد اقتحام القنيطرة 600 مربي ماشية في عندان وحريتان استفادوا من مشروع دعم الأعلاف حلب بين نار الغلاء وبارقة تخفيض المحروقات.. فهل تُلجم الأسعار ؟ الأمطار أنقذت المحاصيل الشتوية وأوقفت أعمال الري بطرطوس