الثورة – آنا عزيز الخضر:

في السنوات الأخيرة، شهدت العروض المسرحية الراقصة في سوريا تزايداً ملحوظاً، لتصبح أحد الأشكال الفنية الأكثر جذباً للجمهور.
وباتت الحركة الراقصة لغة بصرية قادرة على نقل رسائل إنسانية عميقة، تُعبِّر عن أفراح الناس وأحزانهم، طموحاتهم وصراعاتهم، بكل جمالياتها المعقدة.
وتتميَّز عروض المسرح الراقص بقدرتها على نقل المشاعر والأفكار من خلال الجسد، ما جعلها تجربة فنية تتجاوز حدود الكلام وتخاطب الحواس مباشرة.
من أبرز العروض التي أظهرت قدرة هذا الفن على التعبير عن جوهر الإنسان، كان عرض “وردة إشبيليّة” الذي تم تأليفه على يد محمد عمر وأخرجه أحمد زهير.
عرض يمثل مزيجاً فنياً رائعاً يجسد التراث الأندلسي ويكرِّم المرأة العربية كرمز للجمال والنقاء.
رسالة السلام والجمال

يتحدث المخرج أحمد زهير عن فكرة العرض قائلاً: “تكمن أهمية وردة إشبيليّة في كونه عملاً فنياً رمزياً يمزج بين التراث الأندلسي والجمال المعاصر.
يعكس العرض تواصل الحضارة العربية مع الإنسانية، ويُظهر المرأة كرمز للجمال والنقاء، ويُكرمها كـ”تاج العروس”، كما يعبر عن قدرة الفن على توحيد الشعوب ونشر قيم الحب والسلام”.
ويضيف زهير: “الهدف من العمل هو إحياء التراث الأندلسي بروح معاصرة، مع تسليط الضوء على هوية دمشق كعاصمة للفن والثقافة.
وردة إشبيليّة ترمز إلى الأمل والسلام، وتشير إلى النهوض من جديد بعد الحرب.. الوردة هنا تمثل رمز الحياة الجديدة، وهي دعوة للعودة إلى الجمال والسلام.
“التحويل من الكلمات إلى الرقص: لغة الجسد كوسيلة للتعبير
وعن كيفية تحويل الحوار إلى مشهد راقص، يقول زهير: “في وردة إشبيليّة تم تحويل الحوار ذي الأبعاد الفكرية إلى مشاهد راقصة تعبيرية.
في هذا العرض، الجسد هو الذي يتحدث بدلاً من الكلمات، استخدمنا الرقصات للتعبير عن مشاعر مثل: الحب، والفقد، والأمل، ما يجعل الحركة تتحول إلى لغة تعبيرية تكمل ما تعجز عنه الكلمات”.
ويوضح: “الترابط بين الإيقاع والموسيقا والحركة كان عاملاً أساسياً في إيصال المعاني بعمق، حيث تصبح المشاهد الراقصة أكثر من مجرد عرض حركي، بل لغة بصرية لها تأثير عاطفي مباشر على الجمهور”.
فن لا يتوقف عن التجدد
ويتابع زهير حديثه عن مكانة المسرح الراقص في العصر الحالي، قائلاً: “لقد أثبت المسرح الراقص مكانته البارزة في المشهد المسرحي المعاصر. هذا النوع من العروض يمتاز بقدرته على الوصول إلى جمهور واسع من مختلف الثقافات واللغات، حيث لا يحتاج الرقص إلى ترجمة، بل يعبّر عن ذاته عبر حركة الجسد التي يفهمها الجميع”.
ويُضيف: “من خلال التعبير الفني العميق، يعكس المسرح الراقص قضايا إنسانية واجتماعية، ما يجذب جمهوراً يبحث عن التجارب الفنية ذات العمق الفكري، كما أن تطور التقنيات المسرحية مثل الإضاءة والإخراج ساهم في تعزيز جمال العرض وجعل الرقص أكثر تأثيراً”.
الفن والتضامن الإنساني

تختصر رسالة “وردة إشبيليّة” في دعوة قوية للجمال والسلام والحب الإنساني.
العرض يسلط الضوء على قدرة الفن على تجاوز الألم والإحباط، ليعيد إحياء الأمل ويؤكد على أن الحضارة والفن هما تاج الأمم، كما يؤكد العرض على قدرة الفن على أن يكون جسراً للسلام بين الثقافات والأمم المختلفة.
المسرح الراقص.. لغة للسلام والتواصل
المسرح الراقص ليس مجرد فن ترفيهي، بل هو أداة قوية للتعبير عن الأبعاد الإنسانية التي يصعب أن تُعبَّر عنها الكلمات وحدها.
من خلال هذا الفن، يستطيع الجمهور أن يشارك في تجربة حسية ومعرفية غنية، حيث يلامس القلب ويفتح الآفاق للأمل والتضامن بين الشعوب، وبذلك، يصبح المسرح الراقص لغة عالمية قادرة على بناء جسور تواصل بين الثقافات، وتعزيز القيم الإنسانية التي تحتاجها مجتمعاتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى.