الثورة :
شهدت العلاقات السورية – التركية تطوراً لافتاً مع توقيع وزارتي الدفاع في البلدين اتفاقية تعاون عسكري مشترك، تمثل محطة مفصلية في مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية بعد سنوات الحرب.
الاتفاقية تهدف إلى تطوير القدرات الدفاعية، وتحديث هيكلية الجيش العربي السوري، وإصلاح قطاع الأمن بشكل شامل، بما يتماشى مع المعايير الدولية ويعزز السيادة الوطنية والاستقرار الإقليمي.
بالنظر إلى الدلالات الاستراتيجية، فهي تمثل تحوّلاً في العلاقة السورية – التركية وتطوراً لافتاً في تعزيز التعاون، في الوقت الذي يُروج فيه البعض لتراجع الموقف التركي حيال دعم السلطة في دمشق، وتعكس الاتفاقية إرادة سياسية قائمة على الشراكة الأمنية، خصوصاً في ملف ضبط الحدود ومكافحة التنظيمات المسلحة.
تكشف البنود المتعلقة بالتدريب والمساعدة الفنية، إدراك دمشق أن تحديث المؤسسة العسكرية يتطلب الاستفادة من خبرات خارجية، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب، وإدارة الحدود، والدفاع السيبراني، والهندسة العسكرية.
كما تحمل الاتفاقية رسالة داخلية مفادها أن الحكومة السورية الجديدة جادة في إنهاء الفوضى العسكرية، عبر دمج القدرات العسكرية وتسريح أو إعادة تأهيل التشكيلات غير المنضبطة، كما أنها توجه رسالة إقليمية تبعث بإشارة واضحة لدول الإقليم، خصوصاً إسرائيل وبعض القوى العربية، بأن أنقرة ودمشق تتحركان نحو تفاهمات أمنية قد تغيّر موازين القوى في الشمال السوري وتعيد رسم خارطة النفوذ.
بالنظر إلى توقيت الاتفاقية، فهي تأتي في مرحلة إعادة التموضع الإقليمي، في سياق موجة من التقاربات الإقليمية بين أطراف كانت على خلاف حاد، وهو ما يعزز فرص نجاح التعاون السوري – التركي ويجعله جزءاً من عملية إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة.
كما يرتبط التوقيت بالأوضاع الداخلية السورية، حيث تواجه سوريا تحديات أمنية متزامنة في الجنوب (أزمة السويداء) والشمال الشرقي (ملف قسد)، وتأتي ضمن استعدادات سورية – تركية لمرحلة ما بعد الحرب، لضمان وجود جيش منضبط قادر على ملء أي فراغ أمني، ومنع استغلاله من قبل قوى خارجية أو جماعات محلية.
وتمثل الاتفاقية العسكرية بين سوريا وتركيا خطوة استراتيجية في مسار إعادة بناء الدولة السورية وتعزيز قدراتها الأمنية، ونجاحها يعتمد على الإرادة السياسية المشتركة، وحسن إدارة التحديات الميدانية، وتفعيل البنود على أرض الواقع عبر برامج تنفيذية واضحة، وفي حال تجاوز العقبات، قد تشكل هذه الاتفاقية نقطة تحول في موازين القوى الإقليمية ومسار استقرار سوريا.