الملحق الثقافي- ر – س:
كثيرون منّا يتجاوزون قراءة مقدّمة الكتاب، هذا المشوار الطويل للوصول إلى المنهل، ليرتوي بما أجاد به كاتبه المفضّل، في حين يتعكّز الكثير من الكتّاب المبتدئين على كتّاب المقدّمات المتخصصين بالشأن الأدبي وهو ما يضيف على الكتاب نكهة لذيذة تضيع الذّوق الخاص للكاتب الغر وتجعله يسير الهضم..ومن هنا كان لابد أن نتساءل من يقدم من؟ الكاتب أم المقدّم؟ ولماذا يلجأ الكاتب لمقدّم الكتاب؟ وماذا يضيف له؟ وما هي مواصفات المقدّم الجيّد؟ وهل يجب أن يكون على مستوى الكاتب وقدرته الإبداعيّة؟ حملت هذه الأسئلة وتوجهت بها إلى الشاعر الأديب فرحان الخطيب، لماذا الخطيب؟
لأنه سبق وأن قدمه ستة من الأدباء ويُرجع ذلك في إجابته عن أسئلتي..إلى أهمية المضمون إذا تعلق بقضيّة وطنيّة أو قوميّة مصيرية وتستحق اهتماماً كبيراً كقضية فلسطين والعدوان على غزّة، التي استحوذت على الكثير مما كتب الخطيب، فأصدر ديوان « صهيل في مرابع الدّم» وقدمه ستة من الأدباء الكبار والذين ما انفكوا يكتبون بالشأن الفلسطيني، ما استوجب لأن يكتبوا ست مقدّمات لهذا الديوان لبيان أهمية الموضوع بأعلى ذراها، فكانت المقدمات للأدباء حسن حميد وصالح هواري وأحمد هلال ومحمد شريم وسامي مهنا وتغريد بومرعي.
يبين الخطيب بالقول: «من خلال مطالعاتنا لعدد كبير من الكتب نجد أن كاتباً آخر قام بتقديم الكتاب للمؤلف، وكثّف مضمون الكتاب في بضع صفحات مشيراً إلى أهمية الكتاب أو الكاتب أو الإثنين معًا».
ويلجأ صاحب الكتاب من وجهة نظر الخطيب إلى البحث عن مقدّم لكتابه لأسباب عديدة ربما يكون من أهمها أن مؤلف الكتاب لم يزل في بدايته فيدفع بكتابه إلى شخص صال وجال في ميدان الاختصاص ذاته، فتكون مقدمته إيذانًا بدخول الكاتب الجديد وخاصة في « الشعر والقصة القصيرة « إلى أجواء هذا الجنس الأدبي من بوابة المقدّم العالية، والمقدّم الجيّد هو من يستطيع أن يحزم أفكار الكتاب وعنوانات مضمون الرئيسة في مقدمة شاهقة اللغة متينة التراكيب واسعة الإشراق على المعنى الأساس ما يدفع بالقارىء إلى الغوص في مضمون الكتاب متسلحاً بدلالة التقديم إلى أرجاء الكتاب، وهنا تكمن أهمية التقديم عند قارىء متمرس وكشاف بذائقة متفردة وقادر على تقييم التقديم إذا كان مناسباً أو فضفاضاً على المضمون المقروء، وكثيراً ما كانت المقدّمة تغني عن الكثير من المحتوى، وأحياناً تكون لا فائدة منها مع الكتاب.
وأرى أن المقدّمة لا بأس بها، مشيراً الخطيب إلى ديوانه الأخير «جراحات المطر « جاءت من قلم ناقد مغربي لشاعر مشرقي، فتكون وحدة الكلمة في جهتين متباعدتين جغرافياً مهمة أدبياً للكاتب والمقدّم وخاصة إذا كان الإثنان يمتلكان تجربة متقدمة في الشعر والنقد، هنا تكون الإضافة عالية للقارىء بالدرجة الأولى، مضيفاً الخطيب بالقول: والمقدمة لا بد منها لبعض الكتب التي تحتوي على كتابات ومقالات تخص كاتب ما من أن يقوم بجمعها وتبويبها وتبنيدها وتقديمها كاتب آخر كما في كتاب «جلنار الكلام « وهي دراسات في مجموعاتي الشعريّة، ما أعطى الكتاب قيمة مضافة بتقديم موجز ومفسر كدليل لمتن الكتاب.
وهنا يصبح المقدم والكاتب برأي الخطيب شريكين أساسيين ومهمين في إنجاز الكتاب وإيصاله للقارىء بشكل مقبول.
العدد 1187 –30-4-2024