الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
تجربة التقديم مسؤوليّة كبيرة، في التقاط انطباعيّة المحتوى، تعابير الكلمات، صياغة المفردات الإضاءة على الإيماءات اللغوية وفك الرّموز، وتبويب الكتاب وتفنيده وتبنيده واستنباطه، والدلالة على كل ما يشرق بالإبهار والتميّز. ولكن لكل قاعدة استثناء، وما أكثر استثناءات التقديم وخاصة في الكتابة الشعريّة، وهنا وبرأي أنّ المقدّمة في بعض الأحيان لا تضيف شيئاً، إلا أنها تبرز اسم المقدّم وتربطه مع كاتب الدّيوان، ليصبح نجاحه هدفاً مشتركاً للكاتب والمقدّم، وأحياناً أخرى نجد أن التقديم أعلى مستوى من محتوى الكتاب، ويضفي عليه الطّابع الذاتي غير الموضوعي وهو أمر لا يتقبّله القارئ المتخصّص الذي يبحث في الكتاب عن عتبة تزيد ارتفاع ذائقته الأدبيّة وكما قال رولان بارت «النص هو حقل متعتنا ومصدر لذّتنا» ومن هنا تكمن مسؤوليّة المقدّم في إظهار هذه اللّذة، بأن يتجرّد من الذاتيّة ويكون محايداً، يرى النّص بعين المنطق لا بعين المجاملة والبروز وإظهار الأنا، فكم من كتبٍ كانت بلا مقدّمات استقطبت القرّاء ونالت الجوائز واحتفى بها القارئ أيّ احتفال، وإن دلّ على شيء فهو إبداع المضمون وحرفيّة المحتوى وقوة حضوره بأن لا تختصره المقدمة بل تترك العنان للقارىء دون حكم مسبق تطلقه وتؤطره، بل تترك باب التساؤلات مشرّعاً للتحليل والتفكير والاستنباط والتأمل.
العدد 1187 –30-4-2024