الثورة – رشا سلوم:
شكَّل أدب الأطفال العالمي ثروة حقيقية للناشئة ولاسيما الأدب الخالد منه الذي كتبه مبدعون كبار فهموا عوالم الطفولة وسبروا أغوارها، وعرفوا كيف يقدمون أدباً خالداً يمكن أن يطير بجناح الترجمة من لغة إلى أخرى.
الكتَّاب الروس كانوا الأكثر جدارة في ذلك، ومدينون لهم بذلك، كما مدينون لمن نذروا أنفسهم لترجمة عيون هذا الأدب، ومن هؤلاء الدكتور إبراهيم استنبولي الذي قدم للمكتبة العربية المتميز دائماً من الأدب الروسي.
يقف استنبولي عند حكاية “الحصان الأحدب” التي ترجمها ونشرتها دار المدى فيقول في مقدمته: إنه العمل الأكثر شهرة من بين أعمال بيوتر ييرشوف الأدبية، الذي أصبح في مطلع القرن العشرين نموذجاً للأدب الكلاسيكي المخصص للأطفال.
طبعت الحكاية أثناء حياة الكاتب مع اختصارات: كانت الرقابة تقوم بحذف الأسطر الساخرة التي تتعلق بالقيصر وبالكنيسة، أو تتحدث عن القضاة والشرطة.
قام بيوتر ييرشوف بتأليف الرواية الشعرية “الحصان الأحدب” عام 1834، عندما كان عمره ثماني عشرة سنة فقط، كان في تلك الفترة يدرس في كلية التاريخ وعلوم اللغة وآدابها في جامعة سانت بطرسبورغ الإمبراطورية، وقد أصبحت حكاية “الحصان الأحدب” أكثر أعمال الكاتب شهرة. وهناك رأي شائع مفاده أنّ قصص وحكايات شاعر روسيا العظيم الكساندر بوشكين [قصص بيلكين] التي كانت مكتوبة بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب، هي التي أوحت للكاتب ييرشوف تأليف تلك المسرحية الشعرية.
وقد عرض مؤلف “الحصان الأحدب” مخطوط حكايته على ثلاثة من أصدقائه: الكساندر بوشكين، وفاسيلي جوكوفسكي، والبروفسور في جامعة بطرسبورغ بيوتر بليتنِف الذي كان يدرِّس فقه اللغة الروسية. وقد أُعجِب بوشكين بالعمل لدرجة أنه قال: “يمتلك ييرشوف ناصية الشعر الروسي كما لو أنه فلاح من الأقنان لديه”. يسود اعتقاد في أوساط الباحثين والناقدين الأدبيين أنَّ بوشكين قام بتدقيق وبتحرير المخطوط، وأنه أضاف بعض المقاطع إلى الحكاية، بما في ذلك الأبيات الأربعة الأولى منها.
ليس معروفاً الدور الذي ربما لعبه جوكوفسكي بالنسبة لظهور الحكاية.
أما البروفسور بليتنِف فقد قام بتلاوة مقاطع منها في محاضراته في الجامعة، ومن المرجح أنه ساعد الكاتب الشاب في طباعة ونشر المخطوط: ففي عام 1834 قام الصديق المقرّب من بليتنِف – الناشر الكساندر سميردين بنشر الرواية الشعرية. لكن الرقابة لم تسمح بطباعة النص كاملاً، بل قامت بحذف أجزاء يسخر فيها المؤلف من القيصر ومن الكنيسة. ولم تظهر النسخة الكاملة سوى في عام 1856 م.
كما قام الكاتب ييرشوف بعد تلك الحكاية، بتأليف بضع عشرات من القصائد والقصص والمسرحيات، ولكن بأسماء أدبية مستعارة. بيدَ أنّ حكاية “الحصان الأحدب” بقيت العمل الأشهر والأوسع انتشاراً.. وقد ترجمت بعد ثورة عام 1917 إلى أكثر من 27 لغة وتمت طباعتها أكثر من 130 مرة.
لقد ناقش الكاتب ييرشوف في مسرحيته الشعرية “الحصان الأحدب” عدداً من المواضيع الشائعة في الحكايات الشعبية، وأهمها – الحصان السحري المساعد الذي ينجح بطل الحكاية بمساعدته في الزواج من الملكة ويصبح هو نفسه بالتالي ملكاً حكيماً وعادلاً.
يمكن القول إنَّ الموضوع الذي ناقشته حكاية ييرشوف، شائع في الفلكلور الأوروبي أيضاً.. على سبيل المثال، هناك حكاية نرويجية بعنوان “سبع مهرات”، تكرّر بشكل كامل فكرة أو موضوع “الحصان الأحدب”. وهناك موتيفات مشابهة في أعمال عدد آخر من الكتّاب غير الروس، مثل: “حكاية الحكايات” وهي حكاية خرافية من تأليف الشاعر الإيطالي جامباتيستا باسيل نشرها في القرن السابع عشر، وتحكي هذه القصة حكاية 3 ممالك متجاورة، الأولى يحكمها أشخاص فاجرون، والثانية يحكمها وحش، والثالثة تحكمها عائلة ينقصها وريث.
وأيضاً حكاية “الليالي اللطيفة” للشاعر والكاتب الإيطالي جيوفاني فرانشيسكو سترابارولا.
وفي عام 1864 قام الموسيقار سيزار بوني ومصمم رقصات الباليه الفرنسي آرثُر سانت ليون بوضع باليه على أساس حكاية “الحصان الأحدب”، وتم عرضها على خشبة مسرح البولشوي في موسكو. ثم ظهرت في نهاية عقد الخمسينيات نسخة سوفييتية من الباليه القائمة على أساس الحكاية الخيالية “الحصان الأحدب” من تأليف الملحن روديون شيدرين، الذي كان عمره آنذاك عشرين عاماً فقط، وكان مازال طالباً في معهد الموسيقا… وقد كرّس شيدرين عمله ذاك لراقصة الباليه الشهيرة مايا بليسيتسكايا التي قامت بأداء دور الأميرة الفتيّة، ثم ظهرت نسخة تلفزيونية من الباليه في عام 1962.