بشرى سليمان
نعلم جميعاً أن هناك بعض الأمراض كالقرحة المِعَديّة والسكري والصداع النصفي، تحدث أحياناً نتيجة مشكلات نفسية، ما يخلق وضعاً متأزماً يعانيه الإنسان لفترة طويلة، تؤدي لإصابته بأمراض جسدية قد تهدد حياته أحياناً، بسبب الارتباط الوثيق والتأثير المتبادل بين النفس والجسد.
للإضاءة على ما يُعرف بالأمراض النفس- جسمية (السيكوسوماتية) تؤكد اختصاصية علم النفس النمو الدكتورة فريال سليمان في حديث لـ»الثورة» على التأثير المتبادل بين النفس والجسد فهما يشتركان معاً في الإنسان ولا يمكن الفصل بينهما، وعليه فإن الكثير من الأمراض النفسية والجسمية التي يعاني منها الإنسان في وقتنا الراهن ناتجة عن أعباء الحياة العصرية وضغوط العمل.
فالظروف الحياتية القاسية التي يعيشها الفرد اليوم وتعقّد أساليب العيش فيها، والتغير السريع المتلاحق، الذي أصبح سمةً أساسية من سمات الواقع الراهن أحدثت تغيُّراً كان له فعل الصدمة على الكثير من العادات والتقاليد والقيم والمبادئ التي يؤمن بها، وساهم في زيادة القلق والصراع والتنافس بين الأفراد فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة والفقر والبطالة، وغيرها من ظروف تستفّز الفرد وتثير في نفسه العداوة والبغضاء وكل ذلك يُعد سبباً في نمو وتزايد الاضطرابات السيكوسوماتية يوماً بعد يوم دون أن تقتصر على سنّ معينة.
لذلك تم تعريفها على أنها أمراض عضوية لها جذور نفسية تصيب أحد أجهزة الجسم ووظائفه، ولا تستجيب للعلاج الدوائي ويمكن تسميتها بأمراض «النفس- جسمية».
اضطرابات انفعالية
وبينت الدكتورة سليمان أن المريض النفس- جسمي هو الشخص السيكوسوماتي الذي يعاني من اضطرابات انفعالية مزمنة تحولت إلى مرض عضوي قد يصيب جهاز الهضم، كالقرحة المعدية وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون وفقدان الشهية العصبي والشراهة في تناول الطعام، أو جهاز التنفس (الربو التنفسي والسل والحساسية الأنفية) أو جهاز الدوران (الخفقان وانسداد الشرايين التاجية وانخفاض ضغط الدم أو ارتفاعه)، وكذلك الاضطرابات الجلدية مثل (الشّري وحب الشباب والأكزيما والصدفية وتساقط الشعر).
الأسباب والأعراض
وعزت هذا الاضطراب لعدة أسباب: أهمها الصراع النفسي الذي يعيشه الشخص جراء تعرضه لضغوطات داخل المنزل أو خارجه، وكذلك عدم القدرة على التكيف مع التغيرات الحياتية الطارئة التي توقعه فريسة للتوتر فيهرب من هذا الواقع إلى أساليب غير تكييفية يرى أنها تنسيه آلامه فيسلك طريق الكحول والمخدرات والمهدئات ليتخلص من القلق الذي يعيشه وبذلك يكون قد أضاف إلى مشكلاته مشكلات أخرى.
كما يعد افتقاد الحب والأمان سبباً مهماً لأنه مصدر قوة للتعامل مع الضغوط، وأيضاً تعرض الإنسان خلال حياته لصدمات عنيفة كالفشل أو وفاة شخص قريب، فتظهر على المريض النفس_ جسمي حالة من التشوش والاهتزاز النفسي وربما ترافقه الحالة النفسية السيئة لمدة طويلة، فيما تظهر عليه اضطرابات جسدية لا جدوى من العلاج الدوائي معها بسبب حدوث تأثير سلبي متبادل بين النفس والجسد.
أخطر الأمراض
ترى سليمان أن المرض النفسي-جسمي هو من أعقد وأخطر الأمراض التي تؤثر على الجانب العضوي والنفسي للإنسان بما تشكل له من صعوبات بالغة في حياته المهنية أو الشخصية، لذلك يهدف علم النفس السيكوسوماتي إلى تبني منهج العلاج التكاملي الذي يجمع بين العلاج الطبي والنفسي، والأفضل من كل ذلك تجنب هذه الأمراض من خلال التحلي بالوعي الكافي للابتعاد عن مشاعر اليأس والتوتر وفقدان الثقة بالذات وبالآخرين، لأنها تشكل نقطة بداية لكثير من المشكلات النفسية والأمراض العضوية، ويكون ذلك بإيمان الإنسان بواقعية ما يمكنه وما لا يمكنه التحكم فيه، والوعي بأفكاره ومشاعره، والابتعاد عن الحلول الواهية كالكحول والتدخين، واللجوء إلى طلب الدعم من الشخص المناسب، إضافة للنوم مدة كافية وممارسة الرياضة بانتظام.