الثورة – حوار غصون سليمان:
لعب نهر الفرات دوراً حيوياً في حياة سكان بلاد ما بين النهرين قديماً وحديثاً، إذ كان يطلق عليه بالنهر الكبير، ويحتل الحد الفاصل بين الشرق والغرب بين بلاد آشور وبابل وبلاد شمال إفريقيا، وقد شهدت ضفاف هذا النهر معارك عديدة أشهرها المعركة التي انتصر فيها نبوخذ نصر الكلداني على فرعون نخاو الثاني المصري عام ٦٠٥ قبل الميلاد.
عن خصوصية نهر الفرات وأهمية التنوع الحيواني والنباتي في بيئته الجغرافية أشارت الدكتورة نور بديع الضللي- قسم علم الأحياء كلية العلوم جامعة الفرات في حديث لـ “الثورة” على هامش المعرض الذي رافق فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي للبيئة والتنوع الحيوي الذي أقامته كلية العلوم بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد” تحت عنوان “السوسن الدمشقي.. معاً لصون هويتنا وتراثنا الطبيعي”
الحوائج نموذجاً
أشارت إلى أن الجزر الفراتية المتمثلة بالحوائج تعتبر نموذجاً خلاباً من التنوع الحيوي، فهي البقعة الخضراء المحاطة بالمياه من جميع الجهات وتتشكل من التربة التي ينقلها النهر أثناء فيضانه وتمتد مسافة ١٥٠ كيلو متراً ضمن وعلى جانبي مجرى نهر الفرات، ويصل عددها ما بين وسطية وطرفية إلى ٥٠ حويجة، وهي غابات من أشجار الحور الفراتي والصفصاف الأبيض، والطرفاء والعوسج البري، ونبات عرق السوس وأنواع من نباتات الزل، والعديد من النباتات الحولية والعشبية.
وتشكل هذه الجزر غابات ومحميات لأنواع متعددة من الحيوانات، فقد انقرض البعض منها مع مرور الزمن، كما تؤمن المأوى الطبيعي لأنواع متعددة من الطيور المستوطنة والمهاجرة، وأهمها الحمام البري، والبلشون الأبيض والرمادي والسماك والبوم والعصفور الدوري والدراج، والصفرىدة والنورس والحمرة والفري والدرغل والزرزور والشحرور والحسون والإوز والبط البري، دجاجة الماء والقطا والغطاس والبجع الأبيض، ويلاحظ بعض النسور والعقبان والباز وهي لا تقطن بالحوائج ولكن تأتي لأجل الصيد، وتحوي العديد من الحيوانات البرية أهمها النمر الفراتي، وكلب الماء والنسناس المعرق، والسلاحف النهرية والثعلب والأفاعي والقوارض.
مسببات تلوث النهر
وبينت الدكتورة الضللي أنه يوجد عدة أنواع للتلوث منها مياه الصرف الصحي، إذ تؤثر مخلفاته في نوعية المياه ويبلغ عدد المصبات الحالية للصرف الصحي عليه ضمن نطاق المحافظة ١٠ مصبات لتجمعات كبيرة يبلغ تعداد سكانها أكثر من ٧٠٠ ألف نسمة.
ومن أسباب التلوث أيضاً الصرف الزراعي الناجم عن مخلفات عمليات الري وغسل التربة للأراضي المستهلكة والذي يحمل الملوحة ومخلفات الأسمدة السماوية المختلفة المضافة للأراضي.
وتأتي النفايات كعامل ثالث، إذ أدى غياب الخدمات الضرورية من معالجة ونقل للنفايات إلى انتشارها في المنطقة وخاصة في البادية، لكن الإهمال يستمر في مقاومة أزمة النفايات التي جرفتها السيول إلى النور يضاف إلى ذلك النفايات الطبية التي لا يوجد أي آلية لمعالجتها.
ويأتي التلوث النفطي عاملاً ضاغطاً آخر لبيئة النهر، حيث أدى انقطاع المشتقات النفطية خلال السنوات الماضية إلى استخدام السكان وسائل التصفية المحلية البدائية” الحراقات” فتحول النفط مصدراً للتلوث المفرط نتيجة لاستخراجه وتكريره العشوائيين، نظراً لقلة خبرة القائمين على استثمار وتوزيع وتصفية النفط بكيفية حماية البيئة، حتى أن بعضهم لا يملك الوازع الأخلاقي الذي يمنعه من التسبب بالتلوث.
جفاف النهر
ومن العوامل الأخرى التي ذكرتها عضو الهيئة التدريسية هي أزمة جفاف النهر ففي ربيع عام ٢٠٢١ تراجع منسوب تدفق مياه نهر الفرات وانخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر وبات لا يتجاوز ال ٢٠٠متر مكعب في الثانية، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الموقعة بين سورية وتركيا عام ١٩٨٧، والتزمت تركيا بإطلاق ٥٠٠ متر مكعب بالثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسورية، وبالتالي يمكن أن يؤدي هذا الواقع لكارثة وشيكة تهدد حياة وسبل معيشة أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والري.
رؤى مستقبلية
وللخروج من تأثير العوامل السلبية المذكورة لتلوث بيئة النهر، اقترحت الدكتورة الضللي مجموعة رؤى وآفاق مستقبلية للحد من مخاطر تلوث نهر الفرات والمحافظة على التنوع الحيوي فيه، وفي المقدمة ضرورة إنشاء محميات طبيعية تناسب طبيعة الكائنات الحية، مع وضع قوانين وإعلانات تؤكد من خلالها الجهات المعنية أن منطقة معينة هي عبارة عن محمية طبيعية يجب عدم الاقتراب منها أو المساس بها بأي طريقة كانت.
كما أكدت الدكتورة الضللي على إقامة وإنشاء بنوك لحفظ وجمع المادة الوراثية لجميع النباتات والحيوانات من أجل تطوير النوى التكاثرية،إذا كانت من الأنواع المهددة بالانقراض، وأنه لابد من التقليل من جميع أشكال التلوث الذي يتسبب به الإنسان، والحد من استعمال المبيدات والمواد الكيمائية واستبدالها باستعمال المواد العضوية.
والحد من قطع الأشجار والصيد الجائر، وفرض غرامات مالية وعقوبات لمن يقوم بهذا الفعل، مع ضرورة الحد من التوسع العمراني الذي يدمر الأراضي الزراعية التي تعتبر مأوى للكثير من الحيوانات البرية، وزراعة أعداد كبيرة من الأشجار. والاستغلال الاقتصادي المناسب للطبيعة لاستعادة توازنها البيئي.
الفرات تاريخياً
نهر الفرات تاريخياً يعد أكبر نهر في الصفيحة العربية وينبع من جبال طوروس التركية ويتكون من نهرين في آسيا الصغرى هما مراد صو شرقاً وقره صو غرباً، والنهران يجريان في اتجاه الغرب، ثم يجتمعان لتجري مياههما جنوباً مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية، ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي من الأراضي السورية ويجري في الأراضي العراقية ويلتقي بنهر دجلة ليكون شط العرب الذي يصب في الخليج العربي. ويدخل نهر الفرات في الأراضي السورية عند مدينة جرابلس وينضم إليه نهر البليخ ومن ثم نهر الخابور مروراً بالحسكة، دون أن يمر في محافظة الرقة متجهاً بعدها إلى محافظة دير الزور ويخرج منها عند مدينة البوكمال ويدخل العراق عند مدينة القائم.
أقيمت عدة سدود على نهر الفرات بهدف ري الأراضي وتوليد الطاقة الكهربائية وتربية الأسماك وتنظيم جريان النهر لمنعه من تدمير القرى والمزارع أثناء فيضانه.. ويعد نهر الفرات أكبر هذه السدود وأهمها.