نضال بركات:
إن ما تكشف عن مجزرة مخيم النصيرات الوحشية وسط غزة والتي استشهد خلالها 274 شخصاً وأصيب 698 معظمهم من النساء والأطفال مرعب جداً تمت بإشراف الجيش الأمريكي وباستخدام سيارات المساعدات عبر الميناء الذي أقامته واشنطن على سواحل غزة بتكلفة ثلاثمئة وعشرين مليون دولار وحراسة ألف جندي أمريكي ودخل حيز التنفيذ بداية شهر أيار الماضي.
وبحسب المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز فإن “إسرائيل” استخدمت شاحنات المساعدات كغطاء خلال عملية النصيرات , وهذه الشاحنات انطلقت من الميناء الأمريكي واستخدمتها “إسرائيل” ودفعت بقواتها بحجة تأمين الرصيف العائم ودخول الشاحنات لتأمين المساعدات الإنسانية لأهل غزة عبر ما تسميه واشنطن ميناء إنساني بينما في حقيقة الأمر ميناء لتمكين “إسرائيل” من قتل الفلسطينيين.
وبعد انطلاق هذه الشاحنات من الميناء تحركت باتجاه مخيم النصيرات وبداخلها القوات الإسرائيلية من أجل تحرير أسراها، الذين كانوا موزعين على منزلين قرب مستشفى العودة، ثم خرجت الشاحنات ولاحقتها المقاومة واستطاعت قتل ضابط في وحدة اليمام وهو أرنون زامورا، ولجأت إسرائيل لقصف جوي وبري وبحري مكثف للتغطية على خروج أسراها …
لم تكن تستطيع “إسرائيل” القيام بهذه العملية إلا بدعم أمريكي كامل سواء عبر التخطيط أو التنفيذ وهذا ما نفته واشنطن إلا أن الوقائع تؤكد أنه كان للأمريكيين دور بارز في هذه العملية عبر الرصيف البحري, وهنا تكمن الجريمة الكبرى عبر استخدام عناوين فضفاضة من خلال تأمين المساعدات، بينما في حقيقة الأمر ارتكاب الجرائم عبر هذا الميناء لتحقيق ما تصبو إليه لأنها إلى جانب الكيان في كل خطوة تقوم بها “إسرائيل” مهما كانت الجرائم المرتكبة , وهذا ما يدركه جيداً قادة “إسرائيل” لأنهم ينطلقون من ثوابت انه لا يمكن للغرب تجاوزها، وتتلخّص في الوقوف الأعمى إلى جانبهم، ومدّهم المستمر بالأسلحة والعتاد والدعم الدبلوماسي والسياسي، وبالتالي فإن كل ما يقومون به من جرائم يقع في هذا الهامش, رغم أنهم لم يستطيعوا إنهاء مأزقهم منذ السابع من أكتوبر الماضي وإلى الآن وهم من مأزق إلى آخر حتى الدعم اللامحدود من قبل الغرب وتحديداً من الولايات المتحدة لم يستطيعوا إلحاق الهزيمة بالمقاومة , أما في مجزرة النصيرات وتحرير أربعة أسرى ليس مهما” كل ما جرى على الأرض من جرائم وإنما المهم لدى “نتن ياهو” هو أنه حقق نصرا ولو جزئيا بكلفة دم فلسطيني بلغ نحو ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، وللأسف هذا ما غاب عن كافة وسائل الإعلام الدولية والعربية وحجم الدمار الكبير للمنازل والبنى التحتية الناجمة عن تطبيق سياسة الأرض المحروقة وإذا كانت عملية تحرير أربعة أسرى بعد ثمانية أشهر من الأسر بدعم أمريكي وأدت إلى مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين (( وهي قنبلة بوجه نتنياهو)) إضافة إلى مقتل عدد من القوة المهاجمة وارتكاب أبشع المجازر بحق الفلسطينيين , فما هو الدعم الذي تحتاجه إسرائيل لتحرير مئة وعشرين أسيرا بقبضة المقاومة؟
وهل ستتحرك الولايات المتحدة بشكل أكبر لإنقاذ “إسرائيل” من مأزقها في الفترة اللاحقة وفق ما أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن مشكلتها في غزة لم تحل , ولا المشاكل العديدة التي تهدد “إسرائيل” على الساحة الدولية، وفي كل من هذه القضايا، تستمر الحكومة في الغرق في الحفرة التي حفرتها لنفسها، وبالتالي فإن السؤال المطروح هل من دور أمريكي لاحقا لإنقاذ “إسرائيل”؟
من غير المعروف إن كانت الولايات المتحدة ستتفرغ لاحقاً لما يجري ليس في المنطقة وحسب وإنما في العالم بأسره لأنها ستدخل في سبات سياسي بسبب الانتخابات الرئاسية التي ستتفرغ لها الإدارة الأمريكية على اعتبار أن الرئيس بايدن هو مرشح في هذه الانتخابات , ولكن ذلك لا يؤثر على “إسرائيل” التي ترتكب المجازر بدعم غربي كامل , حتى وإن كانت واشنطن متفرغة للانتخابات هذا لا يعني ان تكون قيادتها العسكرية بعيدة عن دعم “إسرائيل” وما تقوم به من خلال الميناء العائم على ساحل غزة خطير جدا، فكما كانت مجزرة النصيرات عبر هذا الميناء فإنها مستعدة لتقديم دعم أكبر لأن هذا المشروع هو خبيث له خفايا إسرائيلية وأمريكية خطيرة.
هذا الميناء جرى تجهيزه من أنقاض الأبنية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي وفيها جثث الفلسطينيين المفقودين ولم يستطع أهاليهم إنقاذهم رغم صراخهم لساعات طويلة ليدفنوا في هذه الأبنية المدمرة ويستخدمها الأمريكيون لرصف الميناء، حتى بات يطلق على من يمشي على هذا الرصيف بأنه يمشي على بقايا الموتى وقد أقيم لغايات إسرائيلية وأمريكية لا علاقة لها بالمساعدات الإنسانية، بدءا من تهجير الفلسطينيين إلى السيطرة على آبار النفط والغاز في ساحل غزة، إضافة إلى أن هذا الميناء يرتبط بمشروع الممر الاقتصادي أقر في الهند في أيلول الماضي وهو المشروع الذي يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا عبر ساحل غزة، وهو مواز لمشروع “الحزام والطريق” الصيني , إلا أن طوفان الأقصى شكك في جدواه , ولهذه الأسباب فإن التواجد الأمريكي هناك بات مطلوبا جدا”.
إذا كانت مجزرة النصيرات كشفت التورط الأمريكي فيها عبر الميناء العائم فهذا يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مشاركة أكبر للجنود الأمريكيين إلى جانب الجنود الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، ما يؤكد حقيقة هذا الميناء على أنه للإجرام وليس للمساعدات الإنسانية.