الثورة – رشا سلوم:
لينا كيلاني.. واحدة من أهم رواد أدب الخيال العلمي في الوطن العربي مع الدكتور طالب عمران وآخرين، وهي مبدعة في أدب الأطفال أيضاً.
كاتبة قدمت للمشهد الإبداعي أكثر من ٦٠ كتاباً وأعيدت طباعة كتبها مرات ومرات.
جديد الكاتبة لينا كيلاني إعادة إصدار رواية “بذور الشيطان” عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
ولأن الرواية لاقت صدى طيباً عند النقاد والدارسين، نقدم مقتطفات من دراسة مطولة نشرها الدكتور عبد الجبار العلمي يقول العلمي:
تتناول رواية “بذور الشيطان” للكاتبة السورية لينا كيلاني موضوعاً جديداً، قلما خاضت فيه الرواية العربية المعاصرة، حسب علمي، فقد انصبت هذه الأخيرة بشكل عام على معالجة القضايا الاجتماعية والمشاكل المختلفة التي يتخبط فيها المجتمع العربي.. أما هذه الرواية، فتنسج على منوال آخر، إنها تعالج قضية ذات بعد إنساني عميق يتمثل في نبذ الغرب بحضارته ومنجزاته العلمية الموظفة في مجال الاستعمار والهيمنة على الشعوب المستضعفة الفقيرة، وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين لغير المسلمين في العالم الغربي، ولاسيما في زمن عرف هجوماً غير موضوعي على الإسلام والمسلمين نتيجة طغيان وجبروت الغرب الاستعماري، وامتلاكه سلطة الإعلام ووسائلها الجهنمية الخطيرة القائمة على التمويه والخديعة.
إن الرواية تتعاطف مع المسلمين الأفغان، وتنظر إليهم نظرة إنسانية موضوعية عميقة باعتبارهم شعباً ذا عمق حضاري، يحمل قيماً إنسانية أصيلة.
وسنقارب هذا النص الروائي الجميل انطلاقاً من مكونات الخطاب الروائي الآتية:
المنظور السردي:
إن الأعمال السردية التي تؤلفها المرأة العربية، عادةً ما تُصَنّف في إطار الكتابة النسائية أو الأدب النسائي. وفي أغلب هذه الأعمال، يطغى صوت الساردة – المشاركة بضمير المتكلم المؤنث وتُرْجِع الدكتورة زهور كرام استخدام تقنية الساردة المشاركة- بضمير المتكلم المؤنث لدى حديثها عن رواية “أنا أحيا” إلى الجرأة في إعلان ضمير المرأة صراحة، وبشكل مباشر، بل معبِّر انطلاقاً من العنوان: “أنا أحيا” لتُطلق بذلك ليلى بعلبكي صرخة ضمير تم تغييبه تاريخياً، وتعلن عن زمن فعله بانتقاله إلى موقع الفاعل”.
والملاحظ أن المنظور السردي في رواية “بذور الشيطان” للينا كيلاني يخرج عن هذا النمط من الرؤية السردية التي تطغى عليها الذاتية والأنا. إن المنظور السردي في هذه الرواية لا يقوم على ما يسمى بـ” المحكي النفسي” حيث يتم التركيز على الخطاب الحميمي الداخلي للشخصية ” (4)، وإنّما يقوم على تغييب الذات، واستبعاد الأنا. ذلك أن المؤلفة الضمنية تختفي، وتترك دفة السرد لسارد – مشارك ذكر أمريكي الجنسية هو” فرانك” الذي كانت الكتابة هوايته المفضلة (ص:7)” أنا من ينقل إليكم أحداث هذه الرواية، أمريكي.. نعم أمريكي الجنسية والإمكانية الحضارية، لكني من أصل آسيوي.. وملامحي تدل على ذلك”
ويبدو أن الكاتبة بعدم إسنادها مهمة السرد لساردة – مشاركة أنثى (امرأة) أرادت أن تقدم أفكارها وقناعاتها من خلال الأحداث الروائية بشكل موضوعي بعيد من الأنا والذاتية، خاصة أن القضية التي تطرحها الرواية هي قضية عامة لا تخص المرأة وحدها ولا تهم الرجل وحده. إنها قضية تهم الإنسان بما هو إنسان، بغض النظر عن الاختلاف بين الذكر والأنثى، والشعوب والقبائل.
“بذور الشيطان”: بنية العنوان مركب إضافي، مكون من لفظين: بذور والشيطان، فلفظ بذور يرمز إلى الخير الآتي، والعطاء والنماء والنفع لبني الإنسان، يتعهدها بالرعاية والسهر على ريِّها، والتّضرّع إلى الله لينزل الغيث عليها إلى أن تنمو وتَيْنع وتؤْتي أكلها، فتصبح غذاء سائغاً للإنسان، ومصدراً لرزقه. ولكن لفظ بذور في بنية العنوان، لم يضف إلى لفظ الخير أو الخصب مثلاً، بل أضيف إلى لفظ الشيطان. والشيطان رمز للشر والخبث والكراهية. وهو هنا ليس الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، بل إنه “شيطان العلم الذي سلب العلم براءته وقدسيته.. إنّها علوم الشر التي ستُحْكِم قبضتها على الجنس البشري”
إن هذا الشيطان قادم من أمريكا بالذات، أمريكا الحاملة لكل شر إلى العالم، والمصدرة للحروب المدمرة. إن العنوان في بنيته، يجسد الصراع بين قيم الخير وقيم الشر الذي سنصادفه حين نلج عالم الرواية. فلفظ البذور الذي يرمز إلى الخير، يدخل في ملفوظ العنوان، في تناقض تام مع لفظ الشيطان الذي هو رمز كل شر في كل الديانات، وعند كل شعوب العالم في كل زمان ومكان. وتتبدى دلالة العنوان في الرواية من خلال وروده في كثير من المقاطع السردية في سياقات مختلفة، وبصيغ متنوعة. فنجد مثلاً تكرار لفظ البذور، أو الشيطان، أو صيغة العنوان نفسه، أو تركيب قريب منه مثل “مواسم الشيطان”.
لقد تم استحضار اللّفظين المركبين للعنوان في كثير من الفقرات والمقاطع السردية في الرواية، لتحديد دلالته. “فالعنوان بناءً على بنيته التركيبية وعناصره المعجمية والدلالية، يمكن أن يفضي إلى تجنيس النص وإلى تحديد شكله ودلالته.”
الشخصيــات:
تمتلئ الرواية بالشخصيات الرئيسية والثانوية، بيد أن الدراسة ستنصب أساساً على الشخصيات الأكثر حضوراً وبروزاً فيها.
أ- الشخصيات الرئيسية:
1ـ السارد– المشارك الذي يسرد أحداث الرواية، وتوفي والده وقبله والدته، وبقي وحيداً يعيش في كنف صاحب المزرعة (جو). يحس بالغربة، رغم أن هذا الأخير اتخذه واحداً من أفراد الأسرة. وأنفق على تعليمه في الجامعات الراقية، وتخصص تخصصاً علمياً نادراً هو “مزيج من علوم النبات أو تخصيب النبات وعلوم أخرى.”
لذلك سيبعثه للقيام بمهمة في أفغانستان تتعلق بتخصيب أرض بور. إن البلاد القوية المتقدمة علمياً، تعمد إلى وسائل أخرى للسيطرة والغلبة، وقهر الشعوب الفقيرة المقهورة مثل سلاح التلوث الجيني بما يفوق التلوث النووي والكيمياوي.
2ـ صاحب المزرعة (جو) الأمريكي. وهو صاحب ذلك المشروع الخطير الذي يتعلق بتجربة علمية مشبوهة. تتمثل في زرع بذور غريبة في أرض”قاحلة جرداء لم تعرف الزراعة منذ أمد بعيد.”
ولم تكن تلك الأرض إلا في أفغانستان. إن (جو) ينتظر أن يجني من خلال تحقيق هذا المشروع هو والشركة التي ينتمي إليها أرباحاً خيالية. ولا يأبه بما يمكن أن يلحق الإنسان من أضرار ومخاطر تهدد حياته.
3ـ “موهاد ” الشاب الغريب المتشرد المتعلم يلتقي بالسارد -المشارك في مقصورته بالقطار في رحلته إلى أفغانستان حيث مجال التجربة العلمية
4ـ آيشا: صبية أفغانية جميلة، من سكان الخيام. تعاطفت مع” فرانك” الهندي الأصل، فكانت تهتم بشؤونه، وتساعده في أعمال البيت، بدون أي مقابل، وبعلم أهلها ساكني الخيام بعد أن تأكدوا – طبعاً – من سلامة نيته وعفته وكرم أخلاقه
إنها تتعامل مع الآخر مهما اختلفت معه في الديانة والجنس والانتماء الحضاري، تعاملاً إنسانياً راقياً يتجاوز كل الحساسيات والخلفيات الأخرى.
ب ـ شخصيات ثانوية:
1ـ ” ميريام ” كريمة” جو “. طفقت تحس بنشوء عاطفة حب نحو” فرانك”، إلا أن هذا الحب كان من طرف واحد.
2ـ الرجل الأفغاني المسن الذي صادفه السارد ـ المشارك في القطار. استضافه في بيته البسيط الفقير.
3 ـ والد “آيشا” شيخ القبيلة المتنور الذي يحسن الحديث باللغتين الإنجليزية والروسية. سيفاجأ حينما يعرف من “فرانك” أن البذور المدروسات
والملاحظ أن الرواية (النص الكبير) مثل العنوان (النص الصغير) المدروس آنفاً، تمتلئ بالتناقضات والمقابلة بين الأضداد سواء على مستوى الشخصيات أو الفضاء والزمن الروائيين.