الثورة – منذر عيد:
في مواجهة ما يمكن أن يلحق الأمن القومي التركي من خطر، وفي حسابات الربح الاقتصادي الذي يمكن أن تجنيه تركيا من خلال علاقات ودية مع سورية، كل ذلك دفع أنقرة إلى تلمس الطريق إلى دمشق مجدداً، بعد أن عملت ومنذ بدء الحرب الإرهابية الكونية على سورية على تفخيخ تلك الطريق بشتى أنواع المتفجرات، وهذه السياسة التركية يبدو أنها تسير بنفس الخطا مع دول الجوار، وفقاً للمصالح التركية.
اليوم من الواجب التذكير بأن سورية كانت حريصة كل الحرص دوماً على إقامة أفضل العلاقات مع الشعب التركي، حيث عملت دائماً على التمييز بين الشعب والإدارة، مع تأكيدها مراراً وتكراراً، أن ألف باء أي حوار مع أنقرة يقوم على إعلانها صراحة الانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها، الأمر الذي أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في السادس والعشرين من الشهر المنصرم بانفتاح سورية على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى.
في العودة إلى حسابات أنقرة وتغيرها في لهجة التعاطي مع دمشق، فإن من المؤكد أن إعلان ميليشيا “قسد” الانفصالية عن نيتها إقامة ما سمتها “انتخابات محلية”، وما يمكن أن يشكله ذاك “الكيان” الانفصالي المتواجد على حدود تركيا الجنوبية من خطر استراتيجي على الأمن القومي التركي شكل سبباً رئيساً في إعادة أنقرة لحساباتها، ويقينها أن التنسيق المشترك الأمني والعسكري سوف يلجم خطر أي حركة انفصالية في سورية، ويمنعها من التمدد شمالاً، خاصة مع تواجد حركات مشابهة داخل تركيا.
وفي الحسابات الاقتصادية، من المؤكد أن أردوغان يعي جيداً حجم الفاتورة التي يسببها وجود اللاجئين السورين على أراضي بلاده، خاصة وأن ملف اللاجئين أصبح يشكل ثقلاً على الحكومة التركية التي باتت عاجزة عن الخروج من تحت وطأة هذا الملف، مع استمرار الضغوط الشعبية والمعارضة وحتى الموالين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، هذا إضافة إلى أن الجغرافيا السورية تشكل بالنسبة للاقتصاد التركي بوابة رئيسية، وطريقاً مختصراً بين أنقرة ودول الخليج العربي، والتي يسعى أردوغان إلى بناء شراكة اقتصادية عالية معها.
كما أن تسارع الأحداث في المنطقة، وملامح تشكل تكتلات جديدة تفرضها تلك الأحداث، والانفتاح العربي الكبير على سورية، وما يسرب بالإعلام عن تقاطر وفود أمنية أوروبية إلى دمشق، قد يشكل في مجمله الرافعة لعودة العلاقات التركية السورية إلى سابق عهدها وفق الرؤية السورية.
وتصريحات أردوغان عن استعداد تركيا لتحسين العلاقات مع سورية، ليست الأولى له أو لمسؤولين في إدارته، فقد سبق ذلك تصريح لوزير دفاعه يشار غولر بأن بلاده تدرس إمكانية سحب قواتها من سورية بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة وأن تكون الحدود التركية آمنة، فالمهم في تصريحات أردوغان وغيره أن تترجم الأفعال على أرض الواقع، والعمل على القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً على أمن سورية القومي، وأمن المنطقة برمتها.