الثورة _ هفاف ميهوب:
«لقائي الأوّل معه، دفعني إلى لقاءاتٍ دائمة، حيث نقلني إلى عالمٍ كنتُ أجهل تفاصيل الحياة فيه.. في أمكنةٍ مغلقة، يحظر علينا الاقتراب منها، أو الدخول إليها»..بهذه الكلمات، بدأت الأديبة والشاعرة الفلسطينية «زهرة عبد الجليل الكوسى» كتابها «قبة السّماء».. الكتاب الذي تناولت فيه «سيرة إبراهيم سلامة في سجن عسقلان».. الأديب والشاعر، بل والمناضل الذي ألهمتها لقاءاتها المتكرّرة به، تدوين قصّة رحلته التي هي رحلة كلّ أسيرٍ قالت عنه:»الإنسانُ خارج الجدران، ينطلق في رحلاته خلال زمانٍ محسوب، ومكان معرّف، ورحلة التأمّل محكومة بهذا الحيز، أمّا رحلة الأسير فتتعدّى رحلة التأمّل، والقفزِ فوق ما هو موجود، إلى خارج تلك الحدود..».إنها الرحلة التي وجدتها، لا تليق إلا بابنِ وطنٍ معرّف بالمبادئ والقيم، ويمتلك كلّ أسلحة اللغة المعبّرة عنهما، بل وأبعادها التي بإمكانها، ترجمتهما إلى حقيقةٍ ملموسة ومُدركة.. وجدت هذه الرحلة أيضاً، تقترب كثيراً من رحلة الشهادة، بل وتتلازم معها، فكلاهما يعبّر عن الحبّ الحقيقي للوطن، وكلاهما جعلا مبدأها، البحثُ عمّا أرادت منه، التأكيد على تفوق المبدأ لدى «سلامة».. المبدعُ والمناضل، حتى بين جدران المُعتقل.»لأن الفعل أقوى الدلائل لتجسيد الفكر النضالي، فإني أبحث عن صيرورة المبدأ لدى «ابراهيم سلامة»، أعتقد أنه رائدٌ في سجنه، وفي كلماته، شعراً وقصصاً ورواية.. ذلك أنه لم يكتفِ بحمل البندقية، بل أضاف لها الفكر وأشكال الفنّ الإبداعي..»..كلّ هذا، وسواه الكثير مما سمعته من هذا المناضل، وعن محطّات التعذيب والألم والمعاناة في سجون الاحتلال.. كلّ هذا، أشعرها بالعجز عن تقديم وصفٍ يليق بهذا البطل وينصفه، الأمر الذي اضطرّها لمحاولة تضميد ولو شيئاً من جراحه، وعبر كتابٍ عطّرت كلماته، بالحديث عن المبدأ والأخلاق، لدى الفكر المناضل والمقاوم. حتماً، هو عطرُ سيرته، ومُذ كان طفلاً غادر مع أسرته وطنه الفلسطيني، وصولاً إلى اليفاعة والشباب، وبندقية المقاومة والمواجهة، رفضاً للنزوح والخيام، وأملاً بالعودة ودحرِ المحتلّ الصهيوني. كلّ ذلك، بقي في ذاكرة «زهرة» التي كانت تحدّث نفسها كلّما التقت هذا المقاوم وسمعته، وكلّما سارعت لتدوّن ما سمعته منه، وفي الكتاب الذي ضمّنته الكثير من صفاته، والأكثر من تفاصيل عذاباته ومقاومته وحكمته :»ليس الإنسان وحده من يألف المكان ويحبه، بل إن المكان نفسه يشكّل مصدر ثقةٍ وإبداع، ويصبحُ عاقلاً يألف الإنسان نفسه، وهذه الجدلية تجعلنا ندرك نداء وطن، وحنين أرضٍ، وشوق أمكنة، لكني أحسب أن «ابراهيم» أدرك النداء وانطلق»..
