الثورة _ عمار النعمة:
مما لاشك فيه أن الصحافة السورية لم تألو جهداً في الدفاع عن قضايا المثقفين وحضورهم ووجودهم على الساحة الثقافية فاحتفت بهم وكرمت بعضهم، رغم الكثير مما يقال ورغم وجود بعض الهفوات، لكننا نود هنا أن نشير إلى أننا في صحيفة الثورة فعلنا الكثير ونذكر أننا التقينا وحاورنا قامات كبيرة مثل: (كوليت خوري، عمر الدقاق، سليمان العيسى، عزيز شكري، عبد الله عبد الدائم، حليم بركات، سهيل زكار، حنا مينة، حيدر حيدر وغيرهم)، ونأمل أن نكون دائماً قادرين على المتابعة، ولأن الأمم تكبر بمبدعيها الذين تتحول أفكارهم إلى تفاصيل عملية تهتدي بها الجماهير وتبني الإنسان والمجتمع، فمن واجبنا أن نذكر بعض من هؤلاء الذين تركوا بصمة دامغة في وجداننا، واحد منهم هو المفكر والمربي الدكتور عبدالله عبد الدائم الذي أنار بعلمه ونضاله طريق الأمة العربية في تحولاتها الكبرى المصيرية، التي عاشتها منذ بداية القرن العشرين، انطلاقاً من وعيها بذاتها كأمة ذات كيان مستقل في الثورة العربية الكبرى وصولاً إلى نضالها اللاهب ضد الاستعمار الأجنبي، فظل هذا الحلم الهاجس الأكبر الذي يحرك الكتاب والشعراء والمفكرين على حد سواء، اليوم تمر ذكرى ولادة المربي والمفكر السوري عبد الله عبد الدائم 1924 وللإنصاف أن مسيرته جديرة بالتوقف عندها فهي حافلة بالعطاء والابداع والتفاني، فهو الذي حصل على العديد من الجوائز لما قدمه من خدمات متميزة، إنتاجاً وممارسة في حقل التربية خاصة والثقافة العربية عامة، على الصعيدين العربي والدولي.
وهو الذي قدم للمكتبة العربية أكثر من ٥٠ كتاباً في التربية والثقافة والفكر القومي، فاستطاع أن يحقق معادلة الأصالة والمعاصرة في كل دراساته المهمة والتي صدرت في بيروت ودمشق ولاسيما مركز دراسات الوحدة العربية.سيرة ذاتية : عبد الله عبد الدايم (1924 – 2008) مفكر ومرب سوري من مواليد حلب نال دكتوراة الدولة في الآداب-التربية، من جامعة السوربون في باريس عام 1956 بتقدير مشرف جداً، وعمل مدرساً بكلية التربية في جامعة دمشق، ورئيساً لقسم أصول التربية فيها ومديراً عاماً لمعارف حكومة قطر، ووزيراً للإعلام عام 1962، ووزيراً للتربية عام 1966، شغل منصب أستاذ وخبير التخطيط التربوي التابع لمنظمة اليونيسيف بالمركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية، كما عمل أستاذاً بكلية التربية في الجامعة اللبنانية، وخبيراً في التخطيط التربوي بالمركز الديمغرافي بالقاهرة، وممثلاً لليونسكو ورئيساً لبعثتها في دول غرب إفريقيا، ورئيساً لقسم مشروعات التربية في البلاد العربية وأوروبا بمقر اليونسكو بباريس، وعضواً في لجنة تقويم النظام التربوي في دولة الكويت، كما شغل عبد الدايم منصب عضو مراسل بمجمع اللغة العربية وعضو مؤتمر الحوار القومي والإسلامي وعضو المؤتمر القومي العربي.
ومن أهم مؤلفاته التربوية: التخطيط التربوي – أصوله وأساليبه الفنية وتطبيقاته في البلاد العربية، والتربية التجريبية، والبحث التربوي، والتربية عبر التاريخ، والتنبؤ بالحاجات التربوية.من مؤلفاته القومية والفكرية: دروب القومية العربية، والتربية القومية، والجيل العربي الجديد، والقومية العربية، والنظام العالمي الجديد، ودور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة،أسهم عبد الدايم في تطوير نظم التربية في معظم البلدان العربية وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية في ميدان الدراسات الإنسانية والمستقبلية.وآخر فعالية شارك فيها عبد الدايم كانت في مؤتمر تجديد الفكر القومي والمصير العربي الذي عقد بدمشق في نيسان 2008 ببحث تحت عنوان الفكر القومي العربي ومسألة الهوية، توفي في باريس في 10 أيلول من عام 2008 إثر وعكة صحية.
في الختام نقول: إن الروح العلمية التي وسمت أعمال المفكر العربي الكبير عبد الله عبد الدائم ستبقى حاضرة في قلوبنا ووجداننا فهي رسالة ووثيقة يجب الإتكاء عليها والاستفادة منها، سواء على صعيد الفكر القومي أو مسائل التربية والتعليم، فهو الذي تميز بإحساسه العميق بقضايا المجتمع العربي المصيرية والاحتفاظ باستقلاله الفكري إضافة إلى مسعاه الجاد في نشر القيم العلمية والتربوية والفكرية.
