الثورة – دمشق – محمود ديبو:
يعود الحديث عن أهمية الشركات المساهمة ليتجدد مرة بعد مرة، ودائماً يتم عرض الصعوبات والعقبات والمزايا المترتبة على تأسيس شركات مساهمة، ودورها في تشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويتسع النقاش ويطول وتكبر الآمال في الأخذ بهذه الطروحات والتوصيات التي يصل إليها المتحاورون من أصحاب الشأن (تجارا وصناعيين وأصحاب أعمال والمسؤولين المعنيين).
رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية الدكتور عبد الرزاق القاسم قال إن العامل الأساسي الذي لا يشجع على تأسيس شركات مساهمة مغفلة عامة يتمثل بعدم وجود تكافؤ تنافسي مع باقي الأشكال القانونية للشركات (مساهمة خاصة، محدودة المسؤولية) ما يدفع المستثمرين وأصحاب الأعمال لتأسيس هذا النوع من الشركات، فالمساهمة العامة تتطلب الكثير من الإجراءات من مثل الشفافية والإفصاح عن البيانات والحوكمة وغير ذلك لضمان حقوق المساهمين وحقوق الشركة أيضاً، فيما باقي الأنواع لا تتطلب ذلك، مبيناً أنه في المرحلة القادمة سيتم العمل على تجاوز ذلك.
ورأى الدكتور القاسم خلال حضوره ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي أقيمت في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة بعنوان (الشركات المساهمة بين الماضي والحاضر) وقدمها عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد حلاق، رأى القاسم بأنه لا يوجد مشكلة في قيام بعض الشركات بتوزيع الأرباح على شكل أسهم مجانية للمساهمين، طالما أن الأسهم قابلة للتداول والبيع والشراء، فالأسهم عبارة عن عوائد إضافية ويمكن للمساهم التصرف بها كما يريد.
توثيق تاريخي
وكان المحاضر محمد حلاق قد عرض لتاريخ الشركات المساهمة في سورية وأهميتها ودورها في الاقتصاد والقوانين التي تنظم عملها والتحديات وغيرها، معتبراً أن الشركات المساهمة اليوم أصبحت (ترند) الاقتصاد الوطني بالنظر إلى تجدد الحديث عنها لدى الصناعيين والتجار، مبيناً أن هذا النوع من الشركات ظهر أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين منها على سبيل المثال شركة التبغ والتنباك، الشركة الخماسية، شركة مرفأ اللاذقية، شركة سكر حمص، مصانع الحديد والصلب، إلا أنه في مرحلة تالية تم تأميم تلك الشركات وتحويل ملكيتها من الملكية الخاصة إلى ملكية الدولة، في ستينيات القرن الماضي، وظهرت بعض الشركات المساهمة بعدها مثل (الشركة العربية السورية للمنشآت السياحية)، و شركة مساهمة عامة أسسها رجل الأعمال المرحوم عثمان العادي بالشراكة مع وزارة السياحة.
تحول جديد
ومع حصول تحول جديد في الاقتصاد السوري ظهرت المصارف الخاصة العادية والإسلامية كشركات مساهمة في العام 2004 وكذلك شركات تأمين خاصة، ومع تأسيس سوق دمشق للأوراق المالية وإطلاق العمل به في العام 2009 دخلت بعض الشركات المساهمة إلى بورصة دمشق، وتم إدراج أسهمها للتداول واليوم لدينا 28 شركة مساهمة عامة في سوق دمشق للأوراق المالية منها (15 مصرفا، و6 شركات تأمين، و2 شركة خدمات، و2 شركة اتصالات، وشركة واحدة في القطاع الزراعي وشركتان في القطاع الصناعي)،
لكن ومع دخول سنوات الأزمة التي مرت بها البلاد منذ العام 2011، لم يتم تأسيس شركات مساهمة، وتراجع دور تلك الشركات في الإقتصاد الوطني نتيجة الظروف الناجمة عن الأزمة والحرب على سورية، مبيناً أن عودة ازدهار هذه الشركات، ودورها يتطلب تحقيق الاستقرار وتحسين بيئة الاستثمار، والتي تحتاج أولاً إلى ضرورة تحديد هوية الاقتصاد الوطني.
قوانين ناظمة
وعرض حلاق للقوانين التي تنظم عمل الشركات ومنها القانون رقم 11 لعام 2023، وقبله كان المرسوم 61 لعام 2007 والقانون رقم 3 لعام 2024.
وأكد حلاق أن الفائدة المرجوة من تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة هو الحفاظ على استمرارية تلك الشركات وتحقيق فوائد اقتصادية تتمثل بتوظيف أكبر لرؤوس الأموال والخبرات والوصول إلى تعاون مجتمعي كامل لإنجاح هذه الشركات.
تجربة شخصية
وبين بأنه هو واحد من الذين فكروا بتحويل شركته العائلية الحالية إلى شركة مساهمة عامة (من خلال الاستفادة من مدخرات العائلة)، لكن تبين أن هذا الأمر سيفقد الشركة عامل المنافسة العادلة مع باقي الأطراف في السوق، خاصة وأن الشركة تعمل في مجال الاستيراد، إذ إن شروط التحول سيرفع من تكاليف الاستيراد ونفقات الشركة بالنظر إلى أن ذلك يتطلب تطبيق إجراءات الشفافية والإفصاح والحكومة للشركة المساهمة العامة، في حين أن باقي الشركات التي تعمل في السوق، ولم تتحول ستبقى بعيدة عن المطالبة بهذه الإجراءات.
وأيضاً هناك نقطة ثالثة وهي تسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية وهو أيضاً يساهم بزيادة النفقات والتكاليف لدى الشركات المساهمة العامة، وأيضاً يضعف تنافسيتها بالسوق بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من الشركات المرخصة (المغلقة، ومحدودة المسؤولية والخاصة)، لم تسجل كل عمالها بالتأمينات الاجتماعية ومعظمها سجل عاملين على الأكثر.
بالمختصر
إذاً- وبحسب حلاق- فنحن بحاجة إلى بناء تشريعي كامل متكامل قابل للتطبيق ينصف الجميع ويعطي كل ذي حق حقه، ذلك أن عدم وجود ازدواجية بالمعايير الضريبية هي المشكلة الأساسية، وبالتالي هذا لا يراعي وضع كل شركة وشكلها القانوني، مبيناً أن الضريبة لم تكن هي المشكلة بيوم من الأيام، لكن لابد من تحقيق العدالة الضريبية بين الشركات المتنافسة في السوق، وذلك حسب إن كانت مساهمة عامة أو شكلا قانونيا آخر.
وبالعموم فإن المطلوب اليوم بحسب ضرورة تناغم التشريعات بين بعضها البعض، وأن المدخلات الصحيحة تؤدي إلى نتائج صحيحة ضمن خط سير عمل واضح المعالم قابل للتطبيق، وموافق عليه من كافة عناصر العملية التجارية والصناعية والسياحية والزراعية، وجميع قطاعات الأعمال، ولابد من تحديد هوية الاقتصاد الوطني، ويفضل أن يكون اقتصادا حرا مع بعض التدخل، وأخيراً أهمية تعديل قانون 8 الخاص بحماية المستهلك خاصة فيما يتعلق بممارسات بعض الأشخاص والتسعير وهوامش الربحية.
تجربة رائدة
بدوره قال الدكتور علي كنعان الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بأن التجربة السورية في مجال الأسواق المالية كانت تجربة رائدة وهي من أروع التجارب خلال خمسينيات القرن الماضي بوجود 60 شركة مساهمة عامة من كبريات الشركات على مستوى الوطن العربي والدول النامية، لكن هذه التجربة انتهت بالتأميم واستمر الوضع إلى العام 2009 تاريخ انطلاق سوق دمشق للأوراق المالية مجدداً، مبيناً بأن إعادة الألق لهذه التجربة والصعود من جديد يحتاج إلى تعديل الأنظمة والقوانين الحالية، فاليوم هناك تشجيع للشركات المساهمة لكن بالمقابل هناك عدة قرارات وإجراءات (نقدية) مثلاً تحد من هذا التشجيع وتحولت إلى عائق لعمل هذه الشركات (إجراءات السحب المالي من المصارف مثلاً).
150 شركة قطاع عام
وفي هذا السياق قال الدكتور كنعان بخصوص شركات القطاع العام التي كانت شركات مساهمة في خمسينيات القرن الماضي وتم تأميمها، بأن هناك مقترحات عدة تم تقديمها بهدف تشجيع الاستثمار بأن تتم إعادة تلك الشركات لأصحابها، أو أن يتم تقييم هذه الشركات العامة، وطرحها للاكتتاب العام وتصبح شركات مساهمة، حيث يوجد اليوم حوالي 150 شركة قطاع عام يمكن أن تساهم بإنعاش الاقتصاد الوطني، وإعادة الألق إليه إذا ما تم تحويلها إلى شركات مساهمة عامة.
دور الدولة
وحول دور الدولة والقطاع العام في الاقتصاد الوطني بين الدكتور كنعان ضرورة لحظ بعض النقاط فيما يخص إعادة هيكلة ودراسة القطاع العام، كذلك فإن الملاحظ في دستور الجمهورية العربية السورية الجديد 2012 بأنه لم يتضمن سوى 8 مواد اقتصادية تتحدث عن شكل الاقتصاد ودور الدولة الإشرافي، فيما الأمر يحتاج إلى توضيح الكثير من التفاصيل منها الاستثمار والإدخار والملكية والأسواق المالية وغيرها، بحيث يتضح لأي مستثمر محلي أو أجنبي كل التفاصيل التي تجعله يقدم على الاستثمار وتأسيس شركة مساهمة عامة، بدلاً من الإبقاء على الشركة كشركة عائلية مثلاً.
ولا مانع هنا في إطار السعي لتفعيل اقتصادنا الوطني من الاطلاع على تجارب الدول والاستفادة منها لتشجيع رأس المال على الاستثمار عبر تعديل الأنظمة والقوانين والتشريعات بما يتناسب مع ذلك.
استثمارات استراتيجية
الدكتور عامر خربوطلي عضو جميعة العلوم الاقتصادية ومدير غرفة تجارة دمشق تحدث في بداية تقديمه للجلسة الحوارية عن أهمية تأسيس الشركات المساهمة لتكون داعمة لبيئة الاقتصاد، وضرورة تشجيع الشركات المساهمة المغلقة لتكون شركات مساهمة مغفلة مشيراً إلى تعدد الآراء في هذا السياق حول تشجيع الشركات المساهمة الكبرى القابضة على حساب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تشكل اليوم 97% من القطاع الخاص السوري، 60% منها هي مشروعات متناهية الصغر، وهذا يوضح الرغبة في العمل بشكل فردي بعيداً عن الشركات الكبرى.
وبين خربوطلي بأنه وحسب إحصائية لغرفة تجارة دمشق بتاريخ 31 / 12 / 2023 نجد بأن هناك 124 شركة مساهمة مغفلة مسجلة لدى الغرفة بما فيها الشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، أي أن هناك حوالي 24 شركة مساهمة عامة مدرجة بالسوق والباقي حوالي 100 شركة قرر أصحابها أن تكون شركة مساهمة مغلقة وهذا خيار لهم، وبكل الأحوال فإن الفكرة هنا هي تشجيع ودعم إقامة شركات مساهمة بغض النظر إن كانت عامة أو مغلقة لأن هذا نوع مطلوب في الاقتصاد السوري كأحد الاستثمارات الاستراتيجية.
استثمار أموال التأمينات الاجتماعية
طوني بيتنجانة عضو غرفة تجارة دمشق طرح فكرة متسائلاً فيها لماذا لا تبادر الشركات لتسجيل عمالها في التأمينات الاجتماعية، مبيناً أن السبب هنا هو أن آمال التأمينات تذهب بالتضخم، والفكرة المطروحة هنا أن يتم استثمار هذه الأموال عبر شراء أسهم لضمان عدم فقدان هذه الأموال لقيمتها من جهة، ولنموها من جهة ثانية، وبالتالي هنا سنجد العامل وصاحب العمل متشجعا للاشتراك بالتأمينات الاجتماعية.
وتناول الحديث مشكلة إعادة تقييم عقارات الشركات من قبل الدوائر المالية (رغم محاولتها أن تكون عادلة)، مما يجعل القيمة الدفترية للشركة أعلى من القيمة السوقية.