لم تعد مرارة مشكلة مياه الشرب في مدينة اللاذقية مشكلة عابرة قابلة للهضم والاحتمال، فقد غدت عويصة ومزمنة لدرجة أن الأهالي يستغيثون، وحدّثنا بعضهم وهو يجهش بالبكاء، فالمياه مقطوعة عنهم منذ خمسة أيام انقطاعاً كاملاً في قيظ هذا الصيف القاسي، وهم إلى اليوم بلا نقطة مياه .. وإن كانت قبل هذا القطع المستمر قد جاءت – إن جاءت – فلا تأتي إلا شحيحة ضعيفة لا تكفي سوى النذر اليسير في العديد من الأحياء .. !
يمكن استيعاب أنّ عطلاً طارئاً قد حصل، مثلما يجري الحديث عن عطل كهربائي أوقف محطة ضخ المياه على نبع السن المُغذّي لمدينة اللاذقية منذ أيام، وقد هتفتُ يوم أمس السبت إلى السيد مهندس وحدة المياه المسؤول عن تغذية أحياء المدينة فأكد لي خبر العطل الكهربائي، وأن إصلاحه قد تمّ وبدأت عملية ضخ المياه من جديد، وبالتالي ستصل تدريجياً إلى مختلف المنازل، حدّدتُ له حيّاً معيناً فأكد لي أن المياه ستصله مساء أمس السبت أوعلى أقصى حد صباح هذا اليوم الأحد، ولكن ذهب المساء .. وجاء الصباح غير أن المياه لم تصل، إلاّ إلى بعض الطوابق الأرضية وبضعف شديد لتبقى النسبة الأكبرمن الأهالي الساكنين في الطوابق الأعلى بلا مياه .. وكأنك يا زيد ما غزيت .. فمرارة المعاناة لا تزال مستمرة.
بالفعل كان يمكن استيعاب مثل هذا العطل على صعوبته، لو أننا أمام مشكلة تزول بزواله، غير أن المشكلة مستمرة منذ أشهرٍ عديدة على هذه الحالة البائسة .. قبل العطل .. وخلال العطل .. وبعد العطل، ومن هنا نقول بأن الأمر لم يعد قابلاً للهضم ولا الاحتمال، ويبدو أن هناك خللاً ما – غير معلن – أوصل الأمور إلى مثل هذه الحالة السيئة.
أمام الشفافية المزعومة التي تتحلى بها الحكومة ومؤسساتها – التي كان لا بدّ لها من تقليدها والاقتداء بها – لسنا مضطرين لمعرفة ما إذا كان هناك خلل قاهر أو مقصود .. فهذا لا يهم .. لأننا تعودنا أن لا أمل بمثل هذه المصالحة مع الناس، ولا داعي للحديث أكثر عن معاناتنا الشديدة معها وانكساراتنا المتلاحقة منها في هذه الأيام الأخيرة المتبقية من عمرها الدستوري.
ولكن إن كنّا لسنا مضطرين لمثل هذه المعرفة، فإن هذا لا يعني أن تجمد القلوب إلى حدود التحجّر، ولا أحد يسأل بأحوال أولئك الناس، أحوال إنسانية صعبة .. واقتصادية معيشية تنجم عن انقطاع المياه بهذا الشكل المُريب، فالكثيرمن المصالح تتعطّل بمثل هذه الحالة، كالمطاعم الشعبية ومحال السندويش والمقاهي الثابتة والجوالة، والعديد من الخدمات التي لا يمكن تقديمها من دون مياه، وهي كلها بالنهاية خدمات للناس .. وفرص عملٍ أيضاً، ولذلك – لولا تحجّر قلوب المسؤولين – كان لا بدّ من الإسراع في تجهيز خطّة طوارئ تغطي هذا النقص الفظيع المستمر كحالة باتت مزمنة، فما الذي يمنع من رفد الأحياء المقطوعة من المياه بصهاريج تغذي مساكنهم .. أو على الأقل بخزانات مؤقتة يمكن أن توضع في الساحات والشوارع تُملأ بالمياه باستمرار ويقوم الأهالي بنقل حاجتهم إلى بيوتهم التي يقولون عنها بأن روائحها باتت لا تُطاق ..؟!!
طبعاً هو لا شيء يمنع سوى تحجّر القلوب اللامسؤولة .. وعدم الإحساس بالآخرين والشفافية المزعومة.