ديب علي حسن
دائماً نردد أن الثقافة هي جدار الصدّ الأول والحصن الحصين الذي يقي أي مجتمع من الانهيار والهزيمة، نردد ذلك قولاً ولكن ماذا على أرض الواقع؟ الثقافة تحتاج إلى فعل وممارسة قبل الكلام، وهذا يعني أن الأمر مناط بالمثقفين والمبدعين وكل من لديه القدرة على ذلك.
في المشهد الثقافي العالمي ثمة نخب تقود وتوجه، وهي تصنع من قبل المؤسسات التي تريد من خلالها أن تؤدي دوراً ما ..المثقف الحقيقي دائماً مع قضايا مجتمعه.. ولكن هل تغير الحال الآن ؟ أمس كتبت دكتورة ناديا خوست عن اختراقات ثقافية هنا وهناك، ورأت اننا لم نتعلم الدرس بعد، وهذا صحيح وجداً، نحن في معركة ما زالت مستمرة وثمة أدوات تتجدد و يا للاسف كثيرون منا يمضون في ركابها.
اختراقات مريعة تحت النظر والبصر، ولكن هل يعرف من يهمه الأمر بما وراء الاكمة ؟ بل السؤال؛ هل البعض شريك في ذلك عن قصد أو دون؟
أسئلة كثيرة تحتاج إجابات، والإجابات قد تكون صادمة تماماً.. نخب زائفة.. عام ٢٠٠٨م صدر في دمشق كتاب مهم جداً عن وزارة الثقافة تحت عنوان «الخروج من الاستلاب».. لمؤلفه أحمد حيدر.. الكتاب مهم جداً وقد حذر من دور النخب الزائفة التي نراها الآن تتكاثر وتغدق عليها الأموال يرى حيدر (أن العولمة تعمل من أجل تدمير هويات الشعوب وثقافاتها من داخل المجتمع عن طريق القوى المحلية المهيمنة باسم الدولة، فهذه القوى تفقر الثقافة وتشوهها وذلك عن طريق الاستيلاء على المحل الاجتماعي والتحكم في المادة الثقافية ذاتها. فهناك مشكلات محرمة لا يجوز تناولها وهناك طريقة في تناول المشكلات، طريقة لا تجرح أولي الشأن. هناك أقلام يجب أن تبقى في الظل وأقلام أمامها فرص مفتوحة.
وكما هو الشأن في صناعة الفقهاء من قبل السلاطين، هناك كتاب تصنعهم السلطة يعرفون كيف ينبغي تناول المشكلات وتجنب المحرمات وبؤر التوتر، فهم يتكلمون دون أن يقولوا شيئاً، مقيمون بين السحب يعرضون حالات مثالية مقطرة ومصفاة من الشوائب الواقعية تتخللها شؤون عاطفية خاصة يعتبرونها جزءاً أساسياً من مآسي الأمة. حقاً إنهم كتاب بارعون خدميون عدميون، ولكنهم يخاطبون المشاعر الإنسانية.
إن المحل الاجتماعي قد تغلقه الدولة المحلية التي تنتمي إلى العولمة كما رأينا، وقد تغلقه النخبة الايدلوجية الزائفة التي تحول قضايا المجتمع الأساسية إلى شعارات لا تنوي تحقيقها شعارات للتنويه الإعلامي وحسب، هذه النخبة لا تخاطب العقل ولكنها تخاطب الرغبة العطالية، فخطابها هو خطاب غواية أو إغراء يجذب الجمهور إليها بما يشبه الاستهواء أو التنويم المغناطيسي ويصبح أداة في يدها، فذهنه مغلق على صيغتها الايدلوجية الزائفة التي تهيمن على المحل الاجتماعي وتنفي كل قول عقلاني وغايتها النهائية هي الوصول إلى السلطة.
وهكذا يفرغ المحل الاجتماعي من القيم الثقافية الحقيقية ويمتلىء بالإعلام السلطة والهواء الطبقة الملحقة بها، فالثقافة تفقد دورها الاجتماعي وتصبح خارج الرهان بين الأجيال، فالكلمة الحقيقية تصبح ترفاً فائضاً عن اللزوم، وتصبح مغامرة خطرة تحمل صاحبها إلى الباستيل. وتحتل الساحات الثقافية نماذج لا تحمل القيم على محمل الجد، نماذج عدمية ساخرة مغلقة على غرائزها ورغباتها الخاصة. ويبدو أن الحط من شأن الثقافة هو سمة من سمات تاريخنا، والحجر على الفكر هو الوظيفة الأساسية للسلطة وأدعياء الثقافة أولئك الذين يدعون المثقفين يتلقفون ما يلقى إليهم ويعتنقون الايدلوجيات الرائجة مثل ايدلوجيا العولمة من دون أي حس نقدي او موقف أخلاقي يذكر بالإنسان.)
قد يكون في هذا الرأي بعض من الإجابات عما يجري.. ولكن لماذا نترك ثغرات يمكن العمل على سدها؟.. هل نحن شركاء في هذا الخراب عن جهل.. نعم شركاء عن جهل وعن ضعف وعن استغلال دنيئ لبعض المحتاجين وهذا له تفصيل آخر.
طبعاً المشهد الثقافي في العالم كله يشهد مثل هذا التعويم، ولكنه لم يصل إلى ما وصل عندنا.. فلنقرع جرس الإنذار لعل أحداً ما يسمع.