الثورة – عمار النعمة:
هو واحد من ألمع الشعراء في الوطن العربي، لقب “بشاعر العرب الأكبر” وقد تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، وبتجسيد بعض الأوضاع الاجتماعية، وحب الوطن والإنسان والفقراء، قال عنه أحد الشعراء: شعر الجواهري عصي على التوصيف والخوض في دهائه الشعري وما يزخر به من عمق ودقة وجمال في اللفظ والمعنى.. وربما لانغالي إذا قلنا أن قصائد الجواهري ماتزال تحفر في وجداننا لماتحمله من جمال وعذوبة ومعاني مهمة.
تمر هذه الأيام ذكرى ولادة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري 1899 الذي ولد في مدينة النجف الأشرف التي تعد أهم مركز ديني وثقافي في العراق، لأسرة عريقة عرفت باهتمامها بعلوم الدين والأدب والشعر. وكان جده لأبيه الشيخ محمد حسن أحد أعلام الفقه في عصره، استطاع أن يتبوأ مكانة مهمة في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ويغدو مرجعاً دينياً أعلى وذا مكانة مرموقة، وقد ألَّف كتاباً قيماً، موسوعة للدراسات الفقهية سماه «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام».
درس النحو والصرف والبلاغة والفقه ونظم الشعر وهو في السادسة عشرة من عمره.
كتب أول قصيدة نشرت في جريدة العراق عام 1920 بعنوان «الشاعر المقبور» وأطلقت عليه الجريدة لقب «نابغة النجف»، لتتوالى قصائده النابضة بحب الشعب والوطن، والمسكونة بأوجاع الفقراء والمحرومين.
عمل الجواهري مدرساً بين عام 1927 -1930، وأصدر أول ديوان بعنوان «حلبة الأدب»، ومن ثم ديوان «بين الشعور والعاطفة» وقف إلى جانب المرأة ودافع عن حقها في التعليم والتحرر، ورفع صوته عالياً لتعليمها، بدعوته لافتتاح مدرسة للبنات في النجف:
عَلِّموها فقد كفاكُم شَنار
وكَفَاهَا أَنْ تَحسبَ العِلمَ عَارا..
أصدر أول صحيفة باسم «الفرات» عام 1930، صدر منها عشرون عدداً ثم توقفت، بعدها أصدر صحفاً أخرى بعنوانات متنوعة وهي «الانقلاب»، و«الأوقات البغدادية»، و«الثبات»، «الجهاد»، «الرأي العام»، والأخيرة استمرت مدة طويلة، وعرفت بمقالاتها الانتقادية اللاذعة للأوضاع السياسية المتردية والظواهر السلبية التي تنخر كيان المجتمع العراقي.
في عام 1944 وبمناسبة مرور ألف عام على رحيل أبي العلاء المعري أقيم في دمشق مهرجان شعري ووجهت له دعوة فلباها وألقى قصيدته المشهورة:
قفْ بالمعرّة وامسَح خدَّها التَرِبا
واستوح من طوق الدنيا بما وهبا..
وبسبب مواقفه الوطنية تعرض للاعتقال عام 1951، وزج في سجن «أبو غريب».
وبعد خروجه من السجن سافر إلى مصر والتقى عميد الأدب العربي طه حسين ونشأت بينهما علاقة حميمة، وفي هذه الأثناء تأتي قصيدته «مصر» لؤلؤة فريدة في دلالاتها وصورها الأخاذة:
يا (مصرُ) تَستبق الدُهورَ وتعثرُ
و(النيلُ) يزخرُ والمسلَّةُ تزهرُ..
تتجاوز قصائده الهم الوطني إلى ما هو قومي وإنساني، فأنشد لفلسطين أحلى أشعاره النابضة بالآلام، فيكتب «فلسطين الدامية» ومنها:
يا أمة لخصُوم ضدها احتكمت
كيفَ ارتضيتِ خصيماً ظالماً حَكَما؟
زار دمشق عام 1978 فاستضافته وزارة الثقافة السورية وأقامت له حفلاً تكريمياً، ألقى فيه قصيدته «دمشق يا جبهة المجد»:
شَممتُ تُربكِ لا زُلفى، ولا مَلَقا
وسِرتُ قَصدك لا خِباً ولا مَذِقا..
يا حاضِنَ الفِكرِ خَلاقاً كأنَّ بهِ
من نسجِ زَهر الرُبى موشيَه أَنقا
لك القوافي، وما وشت مصارفها
تهدى وما استنَّ مهديها، وما اعتلقا..
كتب ذكرياته في جزأين (الأول عام 1988، والثاني 1990) فأتت حافلة بما هو ممتع وشيق ومثير، وهي تلقي الضوء على رحلته الطويلة في ميدان الشعر والحياة.
أنجز وهو في العقد الثامن كتاب «الجمهرة»: مختارات من الشعر العربي القديم، الأول عن العصر الجاهلي والثاني عن العصر الإسلامي والأموي، إلى جانب مختارات شعرية أخرى منها: «الأخطل» و«عمر بن أبي ربيعة».
كان لرحيل شريكة حياته ورفيقة دربه «أمونة» عام 1992، أبلغ الأثر في حياته فاستبد به حزن طاغ، ورثاها بقصيدة جميلة تعكس حبه واعتزازه، وقد نقشت القصيدة على قبرها:
ها نحنُ أمونةَ ننأى ونَفترقُ
والليلُ يمكثُ والتنهيدُ والحرقُ
والصبحُ يمكثُ ولا وجه يُصبحني
بهِ، ولا بَسمات منكِ تنطلقُ..
كُرِّمَ من قبل القائد المؤسس «الأسد» بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، كما نال الكثير من الجوائز المشهورة منها: جائزة اللوتس عام 1975، جائزة سلطان عويس عام 1991، جائزة جبران خليل جبران عام 1993، وكذلك تقلَّد عدداً من الأوسمة.