الملحق الثقافي-غسان شمة:
من الطبيعي أن تسعى الأعمال الدرامية، في مختلف أشكالها، إلى مقاربة الواقع والنهل منه والغوص في تفاصيله، باعتبار هذا الواقع خزانها الواسع وشديد التنوع، وكلما كان العمل أكثر عمقاً واتصالاً بالواقع كان أقدر على نسج علاقة بسيطة وسلسة مع المشاهد، وتزداد هذه العلاقة متانة وتعبيراً كلما كانت الشروط الفنية عالية وتحترم عقل المشاهد وثقافته في الوقت الذي تجمع فيه بين المتعة والفائدة باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من العملية الإبداعية المؤسسة لنجاح العمل الدرامي بشكل خاص، والعمل الفني أو الإبداعي بشكل عام.
وعند أية عودة في الذاكرة إلى الكثير من الأعمال الدرامية السورية، خاصة تلك الأعمال التي أنتجها التلفزيون السوري، وكان حامل هذه المهمة، في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، نجد أن معظم تلك الأعمال قد حازت التقدير من حيث مقاربتها للقضايا العامة في حياتنا الواقعية، وعكست، بعين النقد عبر معالجات فنية غالباً ما اتسمت بشروط فنية تحمل من العمق الفكري ما يجعلها موضع نقاش وجدل معني بالقضايا التي تمس الناس وحياتهم كما تنظر إلى طموحاتهم ومستقبلهم من موقع دفع العجلة نحو طريق فيه من العقلانية ما يجعل الأمل في المستقبل هو العنوان الرئيسي في تناوله لقضايا الحاضر عبر الحفر في المشكلات والعقبات على أكثر من صعيد..
بعد تلك الفترة بقليل بدأت تظهر أعمال جديدة في شكلها، وفي طريقة تعاملها مع الواقع المجتمعي والحياتي، ولا ننكر نجاح بعضه الفني، ولكنه بدا مع مرور الوقت وتحول رأس المال بشكل حاد لقضايا محددة، بدت نافرة عن السياق العام لخطوات حياتنا، ومع المزيد من دخول رأس المال المتقنع بالتاريخ وقيمه، بعضها له مكانه من التقدير وبعضها مثير لقضايا خلافية على الصعيد الفكري والمعرفي في سياق البحث عن المستقبل، لكن المال «الموظف» كان له الدور الأكبر في التلاعب بتلك الدراما وأهدافها فبدا كما لو أنها تمضي عكس تيار الحياة نفسه الذي ينبغي أن ينظر للأمام ويسير بهذا الاتجاه..!
وهناك زوايا جديدة يمكن تناولها قادماً..
العدد 1200– 6-8-2024