الثورة – ترجمة ختام أحمد:
في الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الصحة في غزة عن اكتشاف فيروس شلل الأطفال في عينات مياه الصرف الصحي، ما يعرض السكان لخطر كبير للإصابة بهذا الفيروس شديد العدوى. وعلى الرغم من انخفاض حالات شلل الأطفال على مستوى العالم بنسبة 99% منذ عام 1988 بسبب حملات التطعيم المكثفة، فإن القضاء على شلل الأطفال أصبح الآن مهدداً. وقد أدى الصراع المستمر في غزة، والذي اتسم بالأعمال العسكرية الإسرائيلية التي ألحقت الضرر بالبنية الأساسية للمياه أو دمرتها، إلى تفاقم الظروف المؤاتية لانتشار الأمراض. كما تساهم محدودية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، وسوء النظافة، والاكتظاظ، وانقطاع التطعيمات للأطفال، بما في ذلك الجرعات المعززة، في هذه الأزمة الصحية العامة.
وفي رد فعل واضح على هذا التطور المقلق، التزمت المنظمات الطبية المهنية الأميركية الصمت. ففي الثالث من تشرين الثاني، أصدرت الجمعية الأميركية للصحة العامة بياناً تعترف فيه بحق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس، ولكنها فشلت في معالجة الحصار الذي فرضته “إسرائيل” على غزة منذ ستة عشر عاماً وتأثيره الإنساني المدمر، وأشارت الجمعية إلى الوضع باعتباره “أزمة إنسانية متنامية ناجمة عن محدودية القدرة على الوصول إلى الضروريات الإنسانية الأساسية”، دون أن تذكر حملة القصف المستمرة التي تستهدف المدنيين في غزة. وبعد أقل من أسبوعين، أصدرت نفس المنظمة نداءً من جملة واحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في “الحرب بين حماس وإسرائيل”.
في الحادي عشر من تشرين الثاني، رفض مجلس مندوبي الجمعية الطبية الأميركية النظر في قرار شارك في رعايته قسم شؤون الأقليات لدعم وقف إطلاق النار في إسرائيل وفلسطين. وصرح رئيس الجمعية الطبية الأميركية السابق، الدكتور أندرو جورمان، قائلاً: “يتعامل هذا القرار مع قضية جيوسياسية، وهي ليست من اختصاص هذا المجلس بأي حال من الأحوال”، مؤكداً أن دورهم هو معالجة القضايا التي تواجه الأطباء والمرضى في الولايات المتحدة. ويتناقض هذا الموقف بشكل حاد مع إدانة الجمعية الطبية الأميركية السابقة للهجمات على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الصحية في أوكرانيا، حيث دعت إلى “وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء جميع الهجمات على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الصحية”.
وكما ورد في موقع MedPage، بعد تسعة أشهر من الإبادة الجماعية، أقرت الجمعية الطبية الأميركية قراراً يدعو إلى السلام في “إسرائيل” وفلسطين، ولكنها امتنعت عن المطالبة بوقف إطلاق النار. وفي نيسان، أقرت الجمعية الطبية العالمية، التي شعرت بالفزع إزاء تصاعد أزمة الرعاية الصحية والإنسانية في غزة، بما في ذلك المجاعة ونقص الرعاية الطبية، بالإجماع قراراً يدعو إلى “وقف إطلاق نار ثنائي ومتفاوض عليه ومستدام”، بدعم من الجمعية الطبية الإسرائيلية.
في مقالة مقنعة نشرتها مجلة موندويس الإلكترونية التي تقدم تحليلات عن فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة، تساءلت المجلة عن صمت مؤسسات الصحة العامة الأمريكية في خضم الإبادة الجماعية التي تدعمها حكومتها مالياً وأيديولوجياً.
واقترح المؤلف عدة أسباب: الفشل في التعرف على الأسباب الجذرية للتفاوتات الصحية الناجمة عن الاستعمار والإمبريالية والرأسمالية العنصرية؛ وتاريخ من الأذى الذي ألحقته المؤسسات الطبية الأمريكية بالمجتمعات المهمشة؛ والاستثمارات الكبيرة للجامعات الأمريكية في صناعة الأسلحة.
وكما يزعم إريك راينهارت في تعليق نشرته مجلة الجمعية الطبية الأمريكية العام الماضي، فإن التعليم الطبي كان سياسياً، ولكن بطريقة “محافظة بشكل ساحق، وغير نقدية إلى حد كبير، وحمائية بشكل انعكاسي لمجال مفلس أخلاقياً أمضى قرناً من الزمان في بناء صناعة رعاية صحية رأسمالية”. وقد دفع هذا الأطباء وطلاب الطب إلى قبول ودعم نظام رعاية صحية هادف إلى الربح ومدفوع بالسوق والذي غالباً ما يتجاهل كيف تشكل السياسة مهنتنا.
وفي ظل هذا السياق، ربما لا يكون من المستغرب أن يفتقر العديد من العاملين في مجال الصحة إلى الشجاعة الأخلاقية اللازمة للاعتراف بالإبادة الجماعية. ولكن يتعين علينا أن نطالب نقاباتنا المهنية بالمزيد، ويتعين عليها أن تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإتاحة وصول إنساني آمن وغير مقيد إلى غزة، وإجلاء الحالات الطبية العاجلة بما في ذلك الأطفال وأفراد أسرهم، وحماية البنية الأساسية المدنية، ووضع حد لنقل الأسلحة والذخائر إلى “إسرائيل”. وتشكل هذه الإجراءات ضرورة أساسية للوفاء بالتزاماتنا الأخلاقية وتجنب التواطؤ فيما يصفه خبراء الأمم المتحدة بالانتهاكات الخطيرة المحتملة لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية.
يتعين على المجتمع الطبي أن يرتقي إلى مستوى الحدث، فيعترف بالإبادة الجماعية في غزة، والتي تشمل اليوم وباء شلل الأطفال المحتمل، ويتعامل معها بالقدر الكافي من الإلحاح والوضوح الأخلاقي الذي يتطلبه الأمر. ولا يمكننا أن نتحمل الصمت في مواجهة مثل هذه المعاناة العميقة والظلم.
المصدر – كاونتر بانش