فكرة خاطفة مرّت سريعاً في ذهنها وهي منشغلة بكيفية إيجاد وسائل عديدة للقيام بالمهمة التي أوكلت إليها مؤخراً.
ما خطر لها أننا لربما نُصاب بالتكلس.. تتكلس مرونة قدرتنا على التعاطي مع الأشياء بطريقة مخالفة لما اعتدنا عليه.
حسبتْ أنها ستنتهي من تلك المهمة ببساطة وفق ما تمرّنتْ على القيام به لسنوات عديدة، لتكتشف أن ثمة طرقاً أخرى مغايرة لما جربته عمراً لإنهاء العمل الذي اعتبرته سهلاً وعادياً.
بدتْ متيقنةً من أن العائق أمام إنجازها تلك المهمة يكمن في الطريقة وليس في الرغبة بحدّ ذاتها.
بقشرةٍ واهية، نقنع أنفسنا.. قشرة رقيقة من الرغبة والشغف نَلبَسها.. ونُلبِسها ما يفترض بنا إتمامه، نتذرع بها طوال الوقت.. فنقتنع، أو هكذا نتوهم، بحبّ تلك المهمات.. لتمرير واجبات يومية وروتين حياتي مكرّر.
متى نتوه عن رغباتنا الحقيقية..؟
وهل نمتلك القدرة على مواجهة أنفسنا بحقيقة رغباتنا..؟
(فكلّ عمل يولد من الرغبة، وكل رغبة هي في آن غنية وفقيرة ) كما رأى بول ريكور..
إذاً يحدث أن تتكوّن لدينا رغبات معطوبة.. أو مموّهة بحاجاتٍ أخرى ليست ناجمة عن أصل رغبة..
تماماً كما يحدث معها الآن..
فهي تريد القيام بذاك العمل كنوع من التحدي، وقد حسبته إفراطاً في التعود.
تدرك تماماً أن رغبتها الحقيقية هي كسر سلسلة ذاك التعود، حتى لو كان شغفها الأجمل فيما مضى..
هل علينا أن نهجر الأشياء حتى لو كانت يوماً ما قمة عشقنا وشغفنا، حين تصبح نوعاً من الاعتياد منسلخةً عن كل متعة ورغبة أصيلة؟.
كل ما كانت تخشى منه هو الوقوع في فخ الكسل، فتُحوّل الأمر لنوع من التحدّي مهما كان أصل حضوره داخلها.. أكان حبّاً وشغفاً أم واجباً، لا ترى فيه إلا شيئاً من تحدّي الذات ومحاولات اللعب على نفورها من الأشياء حين تصبغ بلون (الواجب).
مع أنها تلمس حالة تغيّر نمت داخلها، لكن لم تستطع الوصول لقناعة إميل سيوران (أيّ شيء جيد يأتي من العطالة)..
ربما كان يقصد تلك الحالة من الاسترخاء والراحة مع النفس، القدرة على إبعادها عن الخطط والمشاريع المتأتية من واجبات لازمة.
يبدو أنه متى ما قدرنا على التعامل مع ما يحيط بنا بمثل هكذا قناعة تستجر الهدوء اللذيذ للكسل والاسترخاء الممتع للعطالة.. نكتشف مواطن خفيّةً من دواخلنا كانت معتمة وغير مرئية بسبب أوهام (أعمال وواجبات) نقوم بها بذريعة الحبّ.. الشغف.. والرغبة.