كيف نحقق نهضة اقتصادية؟

د. ذوالفقار علي عبود
لا يزال الاقتصاد السوري يعمل وفق الأدبيات الاقتصادية التي تركز على النموذج الاشتراكي في التنمية، في الوقت الذي يثبت فيه البناء الاقتصادي ضرورة عدم اتباع أي نهج إيديولوجي ثابت، بل اتباع نهج براغماتي، تقوده أهداف محددة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن ما يأتي هو خطة اقتصادية متكاملة لا يجوز الأخذ ببعض بنودها وترك بنود أخرى.
أولاً- التخطيط التأشيري:
من الضروري بصرامة الاعتماد على دولةٍ مركزيةٍ، تسيطر على الفائض في الإنتاج، مع تخطيط صارم. لكن منعاً من استنفاد هذا النموذج للقدرات التنموية السورية، لا بد من القيام بإصلاح اقتصادي، والأخذ بمبادئ اقتصاد السوق المفيدة تدريجياً، وإدخال التخطيط التأشيري إلى جانب التخطيط المركزي الملزم، ومنح شركات القطاع العام مرونةً أكبر في توجيه أسعارها وأجورها واستثماراتها، وفق مؤشرات اقتصاد السوق، وإدخال عامل المنافسة في جسم الاقتصاد السوري، وفي المصلحة الفردية للمشتغلين في القطاع العام. كل هذا مع الاحتفاظ بيد الدولة قويةً في توجيه الاقتصاد والاستثمارات والاستهلاك، وفعل هذا كله بالتدريج.
ثانياً- اتباع نهج تنموي:
يجب اتباع نهج تدريجي في الإصلاح والانفتاح، والتشبيك بحذر مع الأسواق العالمية، والاقتصاد العالمي بعد التخلص من ملف الإجراءات الاقتصادية وحيدة الجانب (ما يسمى قانون قيصر والعقوبات…)، وكلما تقدم الاقتصاد السوري، وأصبح أكثر قوةً، انفتح أكثر وبشروطه الخاصة. وبالتالي، من الضروري جداً تجنب نهج الإصلاح بالصدمة الذي توصي به المؤسسات الغربية، والذي أوقع دول المعسكر الاشتراكي السابق في مشكلات كارثية، وأدى إلى انهيار اقتصادياتها، وتفكك دولها.
ثالثاً- تشجيع الادّخار، والابتعاد عن التنمية التي يقودها الاستهلاك على الطريقة الغربية. ويساعد هذا على تحقيق معدلات استثمارٍ عالية، ما يشكل فائضاً كبيراً يموّل الاستثمارات الداخلية والخارجية. لتعزيز القدرة على الادخار، مع كبح الميول الاستهلاكية الغربية.
رابعاً- تنمية العلم والبحث والتطوير برعاية الدولة هو أساس تنمية قدرات سورية ورافعة نموها.
هذا النهج يؤدي إلى بروز طبقات وسطى، ونخب غنية، ونمو رأسمالية وطنية بقدرات كبيرة، هذه الطبقات الجديدة ستنخرط في المشروع التنموي الوطني الذي تقوده الدولة والذي يجب أن يهدف إلى بناء سورية قوية.
خامساً- فتح الباب تدريجياً، وبشكل متصاعد، أمام استثمارات القطاع الخاص الوطني، وأمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الصديقة بدرجة أكبر، وأي دولة إذا رغبت. وفي الوقت نفسه، عدم فتح الباب على مصراعيه، بل تنظيم الاستثمارات وفق المصالح الوطنية، والاستفادة من ذلك في إيجاد فرص عمل، وتراكم ونقل معرفة صناعية لتعزيز التصنيع الموجه نحو التصدير (تنمية يقودها التصنيع الموجه نحو التصدير)، من خلال الاستفادة من تخلّي الدول المتقدمة عن الصناعات، كثيفة العمالة والمستهلكة للطاقة والملوثة للبيئة، وتصديرها إلى العالم الثالث.
وهكذا ستجد الدول المتقدمة في سورية ساحة واسعة قادرة على تزويدها بكل ما تحتاجه من سلع كثيفة العمالة، وهذا يتيح إمكانية خلق شراكة مربحة للطرفين. حيث تقدم سورية للاستثمارات الأجنبية المباشرة شروطاً مناسبةً من يدٍ عاملةٍ رخيصةٍ منضبطةٍ بدون إضرابات، وبدون توقف عن العمل، تأتي من فائض كبير في الأرياف، ونتيجة لمعدل البطالة الكبير جراء الحرب، مع تأمين الدولة التعليم والتدريب لتلبية احتياجات الاستثمارات الجديدة في الصناعات الخفيفة أولاً، ثم الصناعات الأكثر تطوراً.
على الرغم من أن هذا التبادل مع العالم يعد تبادلاً غير متكافئ، لكنه الطريق الوحيد إلى تنمية هادفة، عبر اجتذاب استثمارات كبيرة تخلق فرص عمل كثيرة، ونقل للمعرفة، فالاستثمارات الأجنبية تفيد في أن ترتفع بجزء كبير من منتجات سورية في سلم القيم المضافة، لترفع نسبة صناعة الآلات والتجهيزات والمعدات الثقيلة في منتجاتها وصادراتها.
سادساً- يجب تصنيع كل شيء، وإن بجودة وكفاءة أدنى من الصناعات الغربية، لتحقيق هدف الإحلال محل الواردات، وتدريجيا منتجاتنا ذات التقنية العالية ستحصد نسباً متزايدة في السوق العالمية.
سابعاً- التخلص من مرض تخصص العائلات الاقتصادي أي تخصص عائلات بعينها بصناعات بعينها أو تجارة بعينها، وإبقاء المنافسة قائمة بين متنافسين أقوياء، يسعى كل منهم إلى أن يقدم أفكاراً وحلولاً أفضل لإثبات نفسه، ما يمنح القيادة السورية ديناميكية كبيرة، وهذا ما ينسحب على مستويات القيادة الأدنى، والتخلص من مرض احتكار الاستيراد واحتكار التصدير.
ثامناً- الخطط الخمسية القادمة يحب أن تركز على توجهات جديدة:
1. الابتكار والبحث والتطوير.
2.التنمية الخضراء والحفاظ على البيئة.
3. التنمية المنفتحة وإدماج سورية أكثر بالاقتصاد العالمي.

4. التنمية العادلة التي تضمن وصول منافع التنمية إلى جميع السكان، لتقليص التفاوت. ستجد هذه الأسس انعكاساتها في تقليص دور الدولة التدخلي المباشر في الاقتصاد والاستثمار والإنتاج وتوسيع دورها في الاستهلاك، ومنح السوق مساحة أكبر، وتعهيد دور الابتكار إلى الشركات والسوق، على أن توفر الحكومة المناخ المشجع وإنشاء صناديق دعم للبحث والتطوير وزيادة مشاركة الاستثمار الأجنبي فيه.
تاسعاً- من الضروري وبحزم، المساواة في الأجور بين القطاعين العام والخاص، منعا لهروب الكفاءات من القطاع العام نحو القطاع الخاص.
عاشراً- إن طريق النمو ليس واحداً، وإن النموذج النيو ليبرالي المصمم في مخابر المؤسسات الغربية، والمصممة وفق مصالح مصمميها وتجاربهم الناجحة، ليس الوصفة الناجعة الوحيدة. بل إن معظم دول العالم التي تأخذ بالوصفة النيو ليبرالية اليوم، معظمها لا يحقق أي نجاح يذكر.
لكن وبنفس الوقت، لا بد من الاستفادة من عوامل نجاح المجتمع الأوروبي بعد دراستها جيداً، وفهم لعبة السوق العالمية والاقتصاد العالمي، وإجادتها وإخضاع كل شيء لمصلحة النمو الاقتصادي، فالاقتصاد سلاح سورية الفعال.
* أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين.

آخر الأخبار
دور اللاجئين في إعادة الإعمار.. هل تشكل عودتهم عبئاً أم مساهمة؟ وزير الأوقاف يتابع المشاريع الوقفية والتنمية في حمص تنسيق سوري ودولي لضمان عودة طوعية وتدريجية تقييم احتياجات مركز الرعاية الصحية الأولية في خان أرنبة مرضى يتألمون في "الرازي" بحلب.. وأطباء تخدير غائبون من المسؤول عن صرخة حسن؟ بسبب الصيانة.. فصل الكهرباء عن كامل محافظة القنيطرة تضامن إقليمي.. لبنان يرسل طائرتي إطفاء للمساعدة في حرائق اللاذقية "إكثار البذار" بحلب تنفذ خطّتها الإنتاجية والتسويقية في الطريق نحو فرص العمل.. التدريب والتمكين بوابة الولوج للسوق   ملتقيات التوظيف.. فرص عمل حقيقية أم بيع للأوهام ؟!  أحلام مؤجلة..، وآمال لا تموت في عيون شباب سوريا أطباء "سامز" يباشرون خدماتهم لمرضى الأورام والداخلية "بدرعا الوطني" عودة جزئية لعمل مراكز خدمة المواطن بدرعا جهود مضنية لاحتواء حرائق غابات في جبل التركمان والفرنلق حرائق الساحل.. ترميمها يحتاج لاستراتيجية بيئية اقتصادية اجتماعية خطة طموحة لتحسين خدمات المستشفى الوطني الجامعي.. استشارات وحجز مواعيد وتفاعل مع المرضى والمواطنين بك... أريحا بتستاهل.. مبادرة تطوعية تؤهل أكبر حدائق المدينة أطفال الشوارع.. براءة مهدورة.. انعكاس لأزمة مجتمعية وتجارة يستثمرها البعض  تمديد فترة استلام محصول القمح في ديرالزور استئناف استلام محصول التبغ في حماة