الثورة – عبد الحميد غانم:
أكد المهندس باولو كابوتسو رئيس جمعية البندقية لعلاقات الصداقة الإيطالية العربية أن ما تشهده المنطقة من توترات اليوم وانفلات ممارسة استراتيجية العنف والقتل والتدمير من قبل الغرب و”إسرائيل” تحت حجج وأوهام زرعها الإعلام الغربي ضد المنطقة، وأشار إلى اتساع وامتداد الحروب من فلسطين إلى لبنان، وقال: إننا نشهد اندماج نوعين من الحروب، يختلفان في كثير من النواحي عن بعضهما البعض، ويمكن لاتحادهما أن يفجر الشرق الأدنى بشكل نهائي.
ولفت كابوتسو في حديث خاص لـ “الثورة” إلى أن النوع الأول من هذه الحرب هو ما تسمى بـ “الحرب التي لا نهاية لها”؛ وسميت بهذا الاسم لأنها تتوخى تأجيل نهاية الحرب “إلى أجل غير مسمى”، وهو نموذج للحرب وضعته الولايات المتحدة الأمريكية بهدف دعائي لمواصلة “الحرب العالمية على الإرهاب”.
ونوه كابوتسو أنه من بين الآثار المترتبة على هذا النموذج من الحرب إعادة تعريف مفهوم العدو، فلم يعد هذا الأخير هو ذلك الجندي الذي يرتدي الزي العسكري، ويسير مع رفاقه على أرض غير حضرية ومحايدة، حيث تدور المعارك بين جيشين نظاميين أو أكثر، ولا يكون هدفها النهائي إبادة الخصم المشترك، بل الانتصار وما يترتب عليه من وقف الأعمال العدائية.
وأشار رئيس جمعية البندقية إلى أنه في “الحرب على الإرهاب”، أصبح العدو شخصية غير عقلانية، ولا يمكن التعامل معها، وبالتالي، فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو القضاء عليه جسدياً بشكل كامل و دون رحمة.
ومن وجهة نظر تكتيكية، ومن أجل تحقيق ذلك، بيّن كابوتسو أنه غالباً ما يتم استخدام الهجمات الجوية بشكل أساسي لدى قوات الناتو والقوات الإسرائيلية، “دون وجود قوات على الأرض”، من أجل إصابة الهدف فقط، دون وقوع ضحايا لدى قوات المهاجمة من الغربيين والإسرائيليين.
ولا يهم – كما يقول كابوتسو – إذا تم “إبادة آلاف المدنيين الأبرياء من أجل ضرب عدو مزعوم؛ فهؤلاء الجنود الذين يضربون بدون شفقة أو عقل، يتم تجريدهم من إنسانيتهم بنفس الطريقة التي يتم بها تجريد “العدو غير العقلاني” الذي يريدون ضربه؛ ويشار للأمر إحصائياً وبشكل غير دقيق على أنهم “أضرار جانبية” – .”
ويشير كابوتسو إلى أنه بهذا المنطق، “لا يمكن للحرب أن تنتهي حتى يتم القضاء على كل أثر متبقٍ للعدو المزعوم، مما يعني، بعبارة أخرى، أنه حتى لو توقفت الهجمات مؤقتًا، فإن الحرب نفسها لن تنتهي أبداً، لأنه سيكون من الممكن دائماً تحديد شخص ما كتهديد إرهابي محتمل، حتى ولو بشكل زائف و وسائلي”.
أما النوع الثاني من الحروب فيبين كابوتسو أنها “حرب الاحتلال”، المألوفة لدى الشعوب الأوروبية للأسف، في هذه الحرب، هناك “جيوش يمكن تمييزها بوضوح عن بعضها البعض، تقاتل في ما يسمى بـ ‘مسرح الحرب’ – أي ضمن مساحة محددة جغرافياً ومحدودة – متجنبةً إشراك السكان المدنيين التابعين لها، مع هدف واضح ومعلن: غزو أو إعادة احتلال أرض محددة.”
بالمقارنة مع “الحرب على الإرهاب”، يؤكد كابوتسو أن هذه الحرب لها حدود مكانية وزمانية محددة، والعدو هنا ليس كياناً غير عقلاني يجب إبادته، بل خصماً في مواجهة يجب أن يتم توقيع سلام معه بعد ذلك، بمجرد توقف الأعمال العدائية.
وبيّن كابوتسو انه ذكر هذين النوعين من الحرب لأن ما نشهده في منطقتنا يمثل اندماجاً بين النوعين من الحروب التي ذكرها. فمن ناحية، تدّعي “إسرائيل” أنها تقصف الهياكل والبنى التحتية التي يسيطر عليها “العدو الإرهابي” سابقاً كان (حماس، و حزب الله الآن)، مع الاكتفاء بالإشارة “للأضرار الجانبية” للضحايا المدنيين; ومن ناحية أخرى، يتابع كابوتسو : “إنه تسمح لجيوشها بالدخول إلى المدن وإخلائها من المدنيين وتطلق يدها في ارتكاب أبشع الجرائم التي يرتكبها جنودها الذين لا يزالون يرتكبون أفظع الفظائع بحق المدنيين (الاغتصاب، السرقة، التنكيل، العنف، العنف، الإذلال بكل أنواعه، وتصويرها كغنائم ثم التباهي بها على القنوات الاجتماعية).”.
ويضيف: “يكفي التفكير في التظاهر الذي لا يوصف بإعطاء مواطني المناطق التي تم غزوها وقتاً للهروب، ثم مواصلة القصف بينما لايزال المدنيون يغادرون منازلهم؛ أو فرض أماكن آمنة للجوء عليهم ثم قصف تلك الأماكن التي تم الإشارة إليها.
إنه جنون العنف الذي يُشكل أساس الفكر الاستعماري منذ ولادته.”
العدوان على لبنان جزء من مخطط أوسع
وعليه، كما أشار كابوتسو، فإنه لا ينبغي أن تكون الاعتداءات الإسرائيلية الحالية في لبنان مفاجأة، لأنها جزء من مخطط أوسع تستعد “إسرائيل” لتنفيذه الآن في مواجهة شلل المؤسسات الإقليمية والدولية على حد سواء، بتواطؤ من قبل ما يسمى بـ “القوى الديمقراطية”، أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تتظاهر بالنأي بالنفس، لكنها تسلح “إسرائيل” وتحميها عسكرياً، مما يسمح باستمرار الحرب العدوانية.
ونوه كابوتسو بأنه “إذا لم تكن هناك مفاوضات فورية، بمشاركة ضرورية ليس فقط من أطراف النزاع، بل أيضاً من التحالفات الدولية ذات الصلة، فإن “إسرائيل”، بعد تحويل غزة إلى صحراء من الركام، ستواصل بنفس الطريقة مع بيروت ثم مع المدن الأخرى في لبنان (التي ستتم مهاجمتها بحجة أنها أماكن تأوي خلايا حزب الله), وسوف تشن عمليات عسكرية برية لتهجير المدن التي تم اجتياحها لتستكمل رويداً رويداً عملية احتلال واستعمار الأراضي العربية التي بدأتها عام 1947 في فجر تاريخها السياسي.”
وقال كابوتسو : “دعوني أذكركم أنه بما أن هذا “استعمار استيطاني”، فإن السكان الأصليين للأراضي لا يسمح لهم بأي فرصة للبقاء في الأراضي نفسها (يجب طردهم أو تصفيتهم جسدياً)؛ أي أنه “حل نهائي” من ذاكرة هتلر، يهدف إلى جعل الأراضي العربية المجاورة وسكانها الأبرياء صحراء، بهدف إنشاء كيان صهيوني كبير يستطيع للسيطرة على المنطقة.”