نضال بركات:
بعد استشهاد يحيى السنوار أعلن بنيامين نتنياهو أن “الحرب لم تنتهِ”، في إشارة إلى أنه قد يتخذ من الحدث، دليلاً على نجاح استراتيجية الضغط العسكري التي يتبناها لمواصلة الحرب، ولكن النصر الذي يسعى إليه منذ بدء طوفان الأقصى بالقضاء على المقاومة في قطاع غزة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين هم لدى المقاومة الفلسطينية لم يتحقق فكيف سيحقق نتنياهو أهدافه باستمرار الحرب؟
إن نتنياهو الذي يحظى بدعم أمريكي وغربي عموماً يريد استمرار الحرب ليس في قطاع غزة ولبنان وإنما المنطقة بأسرها مع عزمه واستعداده لتوجيه ضربة لإيران، ولكن بعد استشهاد السنوار تحركت واشنطن سريعاً لاستغلال التوقيت والتأكيد لنتنياهو بأن النصر الذي تبحث عنه تحقق من أجل العمل على الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، عبر إحياء المفاوضات المتوقفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإبرام صفقة لتبادل الأسرى، إلا أن نتنياهو لا يريد ذلك ويريد استمرار الحرب، بينما إدارة بايدن تسعى لهذه الصفقة قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في الخامس من تشرين الثاني المقبل دعماً للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس في مواجهة المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، لهذا أبقى نتنياهو خياراته مفتوحة وأكد بأن الحرب لم تنته.
وإذا دققنا بالطريقة التي استشهد فيها السنوار هي قوة وبطولة ولا تعطي نتنياهو نشوة النصر التي يتحدث عنها فالشهيد السنوار أذل نتنياهو وكيانه في «طوفان الأقصى»، وهو استشهد حاملاً سلاحه وقاتل حتى الرمق الأخير، والمفارقة أنّه قضى مرتدياً بزّته العسكرية، وهو يقاتل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاً لوجه في حي تل السلطان في رفح، دون أن يكونوا على علم أو دراية بهويّته.
وكما خدع “الشهيد السنوار” نتنياهو في حياته عندما قاد أكبر عمليّة عسكرية –أمنية ضدّ كيان “إسرائيل”، عاد ليخدعه حتى في مماته، فنتنياهو لن يستطيع الاحتفاء بإنجاز أمني، وعلق الـمـحـلـل الـعسـكري للـقـنـاة 11 الـعـبـريـة الـيـؤور لـيـفـي على استشهاد السنوار بالقول: “لقد أصبح السنوار بالفعل أسطورة”.
وباستشهاد السنوار في الميدان أسقطت الرواية الإسرائيلية التي كانت تتحدث بأن السنوار محاطاً بالأسرى الإسرائيليين كدرع لحمايته في الأنفاق، وبات سؤال الإسرائيليين: إن لم يكن أسرانا درعاً للسنوار فأين هم إذاً؟
لقد عادت قضية الأسرى الإسرائيليين إلى المربع الأول بعد أن توقف البحث في ملفهم منذ أشهر ما دفع بالوزير الأمريكي بلينكن إلى إجراء سلسلة اتصالات لإحياء الملف وإجراء صياغة جديدة لصفقة التبادل بما يؤدي إلى إنهاء الحرب في حين تحركت عائلات الأسرى في الشارع بتظاهرات واعتصامات، مطالبين نتنياهو الإسراع في إنجاز صفقة التبادل، خشية من أن يؤدي غياب السنوار عن المشهد إلى المزيد من التعقيد, وبالتالي فإن هذه التحركات وضعت نتنياهو أمام خيارين، فإما أن يرضخ لمطالب عائلات الأسرى ويقبل بصفقة التبادل ويواجه اليمين المتطرف الذي يعتبر ذلك استسلاماً وهزيمة أمام حماس التي لم تتمكن “إسرائيل” من القضاء عليها، أو أن تستمر الحرب باستنزافها لجيش الاحتلال الذي فشل في تحقيق أهدافها.
فهل يستمر نتنياهو في هذه الحرب ويتوسع بها لتشمل المنطقة بأسرها؟
إن قرار نتنياهو يتوقف عليه مصير المنطقة بأسرها ومصير الأسرى والعلاقات المتوترة مع العالم بأسره الذي يرفض جرائم الإبادة التي يرتكبها ضد الفلسطينيين واللبنانيين حتى مصير نتنياهو بنفسه، كل ذلك يحدث بالتزامن مع الاستعدادت الإسرائيلية لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران يترافق مع الحرب على قطاع غزة وعلى لبنان، ونتنياهو الذي يشعر بنشوة النصر بعد استشهاد السيد حسن نصر الله والعديد من القادة في حزب الله واستشهاد السنوار لن يستطيع تحقيق النصر الذي يسعى إليه لأن المقاومة في لبنان استعادت زمام المبادرة واستطاعت توجيه ضربات مؤلمة للكيان بينما المقاومة في غزة لازالت توجه الضربات المؤلمة للكيان رغم جرائم الإبادة التي ارتكبها هذا الكيان بحق الفلسطينيين منذ عام وستكون هذه المقاومة بعد استشهاد السنوار في الميدان أقوى، وهذا ما يخشاه العدو، فنتنياهو الذي يحاول ترميم صورته لم يحقق أيا من أهدافه التي وضعها في بداية الحرب حتى شعبيته باتت منخفضة جداً، وهذا ما يخشاه في حال أوقف الحرب ووافق على صفقة الأسرى بطريقة يختلف فيها مع الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذين يرفضان أي وقف للنار على أي جبهة من الجبهات ويُهدّدان بإسقاط الائتلاف الحاكم إذا ذهبت الحكومة إلى أي صفقة لوقف الحرب، وبالتالي فإن نتنياهو يخشى اليوم التالي لأن أي قرار يتخذه لا يحسن صورته المتدنية لدى الإسرائيليين فإنه يعلم بأن مصيره السجن ولأجل ذلك أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد استعداده لتوفير شبكة أمان لنتنياهو لتمرير صفقة تبادل الأسرى
وإنهاء الحرب فهل يوافق نتنياهو؟ من غير المعروف إن كان ذلك سيتحقق ولكن على الأرض فإن الجبهات مشتعلة بينما تستعد “إسرائيل” لتوجيه ضربة إلى إيران وهذا ما قد يؤدي إلى تفجير المنطقة بأسرها.
التالي