الثورة _ عمار النعمة:
لا يمكن للتاريخ أن ينسى أن سورية ولادة، وقد ولد من رحمها رجال حفروا اسمهم بماء الذهب فكانوا أيقونات إبداعية عبر السنين وحتى اللحظة يعيشون في وجداننا…
وأنت تأخذك الصدفة إلى حي القنوات، حيث العراقة والتاريخ تجد نفسك أمام منزل الشاعر الكبير فخري البارودي فيأخذك الحنين إلى الشام، تقف بخشوع أمام طهرها وجمالها وعراقتها حيث قداسة المكان والزمان.
والذي دفعني للحديث أن الكثيرين لا يعرفون تاريخ هذا المنزل العريق الذي أنشد البارودي منه قصيدته الشهيرة «بلاد العرب أوطاني» فمنزل البارودي من أهم المنازل الدمشقية الواقعة خارج سور مدينة دمشق القديمة، ويعود البناء إلى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي.
بعيداً عن تاريخ البارودي المليء بالإبداع والنضال فهو الرجل الذي اجتمع به كبرياء الشعر والانتماء للوطن نقف عند منزله الذي حسب الكثيرين وأيضاً الموسوعة الدمشقية أنه ما بين 1943-1963، تحول في القنوات إلى محج لجميع الفنانين والمثقفين العرب، تزوره أم كلثوم كلما زارت دمشق ويأتيه محمد عبد الوهاب وأحمد شوقي، حيث كانت في أرض دياره الواسعة تدور نقاشات في السياسة والأمور الفكرية بكل أنواعها، وكانت هذه السهرات البارودية من المحطات الرئيسية لكل مثقف عربي يزور سورية من الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات.
«عناصر معمارية مهمة»
تبلغ مساحة المنزل ١٨٠٠م2 تتوزَّع بين قسمين منفصلين، يحتوي على طابقين ويتميز باتساعه وعناصره المعمارية والفنية المهمة والتي تمزج بين الطرازين العربي والاوروبي، ويتألف المنزل من قسمين كل منهما يشغل تقريبًا نصف المساحة،
القسم الشمالي وهو المخصص اليوم لمركز الدراسات التابعه لكلية الهندسة المعمارية ويضم في الطابق الأرضي 8 غرف وفي الطابق الأول تسع غرف وقاعات وفيها فسحة سماوية كبيرة مستطيلة الشكل تتوسطها بركة ماء بيضاوية بنيت من الحجر المزاوي، أما القسم الجنوبي وله مدخل منفصل فقط كان يمثل قسم الحرملك، وفي الطابق الأول منه نجد 12 غرفة وقاعة وإيوانًا، وفي الطابق الثاني ثماني قاعات وغرفاً ويتميز بالزخارف والتزيينات الغنية والألوان والعناصر النحتية والفنية، وفي قاعاته نجد لوحات جدارية تعبر عن مشاهد طبيعية أو من مدن، ويستخدم هذا القسم كمقر لإحدى الجمعيات الخيرية.
ختاماً.. يحق لنا نحن السوريين أن نفخر ونعتز ونكتب في كل مكان وزمان عما نملك من أرث وتاريخ حضاري وأن لدينا أسماء ارتبطت بشرايين سورية التي أنجبت المبدعين والمثقفين والمناضلين فكانت بحق منارة الإبداع وأرض الحضارة ومساكب الإنسانية.
