الثورة _ هفاف ميهوب:
«لكلٍّ فلسطينه، ولكلّي فلسطين.. حروفٌ تحمل الفلّ والطّين، والفنّ واللّين.. تعويذتي في لحظةِ التّيهِ، تحملني فيّ مثلما، يحمل الرحم الجنين».
إنها التعويذة التي يحتفظ بها الشاعر والروائي الفلسطيني «أنور الخطيب» في أعماق أعماقه.. فلسطين التي اضطرّ لمغادرتها فلازمته، أمّاً ووطناً وقصيدةً، هي أناهُ وذاته..
لأجل هذه التعويذة حاورناه، وعبر وسائل التواصل التي قرأناه من خلالها، فالتقطنا من قصائده وكلماته إجابات، استحقّت أن نسأله:
# لن نسألك التعريف بنفسك لأننا نعرفك، فهل ترغب بإضافةِ شيءٍ عن نفسك؟.
## لا أحد يعرفُ من أنا.. لا الشّعرُ لا النثرُ، لا الحكايا ولا المرايا.. لا النقادُ، لا الدارسون، لا الأطباء لا الأبناء.. لا الحبيبات لا الجيران.. لا شؤونُ اللاجئين، ولا كاتب سيرتي.. لا وعيي ولا لاوعي وعيي.. ولا شبحي الذي يسكنُ ظلّي..
أنا آدم الغريب وظنّي/ أنّ جبريل احتارَ من أيّ وادٍ/ سيجلبُ طينة هذا الركام المسافر/ واحتارَ في أيّ وقتٍ من الليلِ/ سيحرقُ طيني المهاجر/ فحلّق فوقَ الدروب/ التي ما غادرتها الحروب/ حلّق فوق البراري شوكِ الحدائق/ فوق السراب والحفائر/ واختار من كلِّ ناحيةٍ حفنة من ترابٍ
بلّلها بالعذاب/ حرّكها بالحراب/ لهذا وُلدتُ غريبًا ونافر..
# لكن، علينا أن نعرّف بك.. بسيرتك كمبدعٍ فلسطيني، قرأناك وعلينا أن نكتبك؟.
## لا تكتبيني/ أنا الكتابةُ والقراءةُ والكتاب/ أنا علاماتُ التعجّبِ والتساؤلِ والإجابةِ والمُجابُ/ أنا الحديقةُ واليبابُ/ أنا البلاغةُ والتفاهة والقيامة والحسابُ/ أنا أساطيرُ الضباب/ أنا البيتُ الذي وقفتْ على أبوابهِ زُمَرُ الذئابِ/ أنا القضيةُ والوصيّة والشعاراتُ المقتّلُ والمصابُ/ أنا القرابينُ التي سُفحت على الأعتابِ..
لا تكتبيني/ أنا المنزّلُ المبجّلُ المتخيّل/ الحرفُ الكتابُ الذنبُ الحساب/ أنا النقيّ التقيّ العاشق الناطق/ المغيّبُ النازح المعذّب/ الذي زلزلوهُ وجلجلوهُ ونخّلوه/ وحرّفوهُ وكبّلوهُ ولوّثوه وكمموه/ أنا الوليدُ الذي ولّدوه/ وولّوا وجوههم نحو قاتلهِ وبايعوه..
# من يسمع كلماتك، يشعرُ الألم يلازمك.. ما الذي جمعكما، ولِمَ لا تغادره أو يغادرك؟.
## من غيرها تجمعنا/؟.. تُلقِّننا دروس الطّيرِ كيف يسافرُ في مداهُ على هواه/.. يبني بيتهُ فوق مئذنةِ المحبّة ينسجهُ على «أقصاه»/.. كيف يلمُّ قمحتهُ ويُودِعها صباح صباه..
من غيرها تجمعُنا/؟.. تلك المقدّسة المباركة المزنّرة المعتّقة/.. السامقةُ الشّابةُ الشبّابةُ الراعيةُ المُمطرة/..
من غيرها تجمعُنا/؟.. هي دارُنا ودرعُنا وضرعُنا آذاننا صلواتنا/.. وسجودنا آياتنا تكبيرنا تهليلنا حضنُنا/.. وحصنُنا تحصيننا وكوننا/.. وتقول: كونوا، فنردُّ: كنّا/.. من غيرها نغذُّ السير إليها
ممتشقين الحجارة والشرايين/.. من غيرها فلسطين!.
نعم فلسطين، وألمي لأجلها «ألمٌ أبديٌّ يتحصَّنُ في نبضين/ نبضٌ، حين سُحبتُ إلى سجنينِ/ نبضٌ، أعلمُ يشرقُ من أين/ وأجهلُ مسراهُ إلى أين/ ككناريٍّ يربضُ في العتمة/ معصوب الصوتي أعتقد أن ما يحصل في غزّة اليوم، يفاقم هذا الألم، ماذا تقول عمّا يحصل، وماذا يقول الشّعر؟.
## لم يعد هناك مجالاً للشكّ، أن قطاع غزة، بإنسانه، ومقاومته، وعزيمته، وثقافته، وتضاريسه، وبرّه وبحره، يتعرّض لمؤامرة وتصفية، وتهجير وإبادة جماعية، تشارك فيها أميركا وقاعدتها العسكرية المسماة «إسرائيل» والغرب، ومجلس الأمن ومعه الأمم المتحدة ومعظم منظماتها، والأونروا، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وفئة من الفلسطينيين..
رحم الله مبادئ حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف، ونقابات المحامين العرب، واتحادات المثقفين والأدباء والمفكرين والفنانين في العالم العربي والعالم..
هذا ما أقوله، ويقول الشّعر: «غزّة تفتحُ باب التاريخِ على مصراعيهِ لتكبر المزبلة/.. تقفلُ باب الجغرافيا على الأنبياءِ الهاربين كي تتّسع المعضلة/.. غزّة تكتب الآن قصّتها مع البحرِ والصحراءِ والحقولِ الراجلة/.. ترسمُ حقلَ الطحينِ سنبلة سنبلة/.. تهيّءُ للشعراءِ قصائدَ عشقٍ مؤجّلة/.. ولليتامى أمّهاتِ المرحلة/.. غزّة الآن تكتب سورة الزلزلة..»..