الثورة – همسة زغيب:
“شريك الروح” ديوان شعري للشاعرة ربى محمد معلا، صدر عن دار دال للنشر والتوزيع.
اختارت الشاعرة من خلال ديوانها أن تخلّد ذكرى زوجها الراحل عبر تجربة شعرية وجدانية نادرة، جمعت فيها مئة قصيدة، كتبتها بمداد القلب والدمع، لتكون رثاءً غير مسبوق ومرآةً لروحٍ أبت أن تنسى.
تقول الشاعرة في حديثها لصحيفة الثورة: “إن بدايتها مع الشعر كانت منذ سنوات طويلة، لكنها اقتصرت على المناسبات الخاصة ولم تكن تنوي نشر ما تكتب، غير أن رحيل شريك روحها غيّر كل شيء، فكتبت له عهداً أن تخلّد ذكراه بالشعر، وأن تبقيه حيّاً في وجدانها ووجدان من يقرأ:
“قطعت العهد أن أبقيه حيّاً
بذكرٍ طيِّبٍ ما دمتُ أحيـا
أخلّدُ ذكرهُ في الشعر حتى
يرى الأحبابُ مَن تهواهُ ربّى”
في ذكرى مولده، أهدته الديوان وكتبت له رسالة مؤثرة من قلبٍ مثقل بآلام الفقد، قالت فيها:
“كم يعزّ عليّ أن أُخرج مكنونات قلبي المثقل بآلام الفراق المنهك شوقاً وحنيناً إليك أيها الحبيب البعيد القريب، الباقي في أعماق الروح والقلب، أيها الحاضر ومَن لا يغيب، إليك أبثُّ بعضاً ممّا يعتلج في صدري، وها هي مئة قصيدة وقصيدة ضمنتها أسرار قلبي وحنينه ولوعة الفراق، أرسلها إليك في ذكرى مولدك”.
ومن أبرز قصائد الديوان، قصيدة “شوقي إليك”، تنبض بالحنين وتفيض باللوعة، وتصور الغياب ككأسٍ من الحنظل تتجرعها الشاعرة كل يوم، تقول:
“شوقي إليك مُحمَّدٌ كمْ يُوجِعُ
ما إنْ رَحَلْتَ عنِ الدِّيار مُودِّعاً
لاقيتُ بَعْدَكَ بالحَنينِ مَواجِعاً
كلُّ الأماكنِ مثلما غادَرْتَها
علَّ الحنينَ متى أتاكَ.. تَزورُها”.
وفي قصيدة “لا تقل فات الأوان”، يتجلى الحزن في أبهى صوره الشعرية، إذ تهيم الشاعرة في دروب الوحدة وتناجي رفيقها الغائب.
“كيفَ أحيا بعدما راحَ الرّفيقْ
يا حبيبي تهتُ وحدي في الطّريق
وتنامي الحزنُ في جرحي العميقْ
ضاعَ دربي بعدما جفّ الرّحيقْيا
رفيقي ليسَ في الدُّنيا أمان فمكاني
ضاعَ مثلما ضاعَ الأمان”
ويُختتم الديوان بنصّ نثري فلسفي عميق، تتأمل فيه الشاعرة معنى الفقد، وتصف كيف يقتحم الموت حياة الأحبة دون استئذان، تاركاً خلفه فراغاً لا يُملأ وحنيناً لا يُشفى.
تقول:”تلك هيَ الأقدارُ تهدينا رفاقَ الدرب، فنسيرُ معهم في رحلةِ العمر، لا مُختارينَ لطريقنا، بل مسلّمونَ لمشيئة القضاء التي لا تُرَد.
نعيشُ بينَهم، فينفذونَ إلى أعماقِ أرواحنا، ويستقرُّونَ في سوادِ الفؤاد، فينطق القلبُ نبضه ببدءِ الوصال الروحي الأبدي الذي لا يضمحل مع تقلُّبِ الليالي والأيام”.
“وحين تهدأ الحياة وتستريح النفوس، وتغفو على عُرف الوداد والصفاء، تمتد يد القدر القاسية فتُعلن النهاية، وكأنما تقول: قد آن الأوان لاسترداد الوديعة الإلهية، وإرجاعها إلى عالم الخلود، بعد أن صاروا شركاء أرواحنا، وعصارة حياتنا التي شاخت ألوانها بفراقهم وغشي السواد كل زاوية في كياننا”.
“فهَا هيَ الذكريات تطاردنا كظِلٍّ لا يفارقنا، وها هو الحنين يسدد سهامه إلى أعماقنا، ويقودنا الشوق إلى مشاعر مبهمة لا نكاد نفقه كنهها، فلا العقل يصدِّق ما حدث ولا القلب يهدأ من وطأتها، فلا نسمع إلا أنين الأرواح ولا نرى إلا دموع القلوب التي ترفض هذا الفراق.”
“إنّه الفراق الأبدي، إنّه الموت الذي لا محيد عنه، إنها مشيئة القدر التي لا تُغَالَب، فماذا عسانا نقول ونحن نودع من هم أنفسنا، وندفنهم في ثرى الأبدية حيث لا عودة ولا رجعة؟! إنه الحق الذي يقتلع منا الطمأنينة، ويسلبنا راحة البال، ويخطف بهجة القلوب.”
“فاعلم يا حبيبي، يا من رحلت عن عيني وبقيت في فؤادي، أنني لست بخير منذ رحلت، فقد طال رقادك، وملني الصبر، وضاق بي الحمل الثقيل”.
ديوان “شريك الروح” هو أكثر من مجموعة شعرية، إنه مرآة لروح عاشقة، ووثيقة حب خالدة، وصرخة وجد لا تخبو.
كلمات ربى محمد معلا تنفذ إلى القلب، وتترك أثراً لا يُمحى، وعنوان الديوان يشدّ القارئ من اللحظة الأولى، ليغوص في تجربة وجدانية صادقة، كتبتها امرأة لا تكتب إلا حين يفيض القلب.