قصر تشرين.. أسئلة مناهضة للعدمية الأسدية على عالم مُحطّم

الثورة : أحمد صلال – باريس

بعد نشرها، تكتسب بعض الأعمال مكانة تقييمية لفترة زمنية محددة، فبتسليطها ضوءاً قاسياً على الوضع التاريخي الذي تركز عليه، تدعو القارئ- لا محالة – إلى اتخاذ موقف من الحاضر، الذي هو أيضاً حاضره.

سوريا البلد المحروق

يندرج كتاب “قصر تشرين” (1970-2025)، الذي كتبته الروائية فاطمة ياسين، ونشرته دار “موزاييك”، بلا شك ضمن هذه الفئة السوداء من الكتب.

فالعدد الهائل من الجرائم الموصوفة فيه مذهل: عنف جماعي، سيضطر مؤرخو المستقبل إلى تحديد ما إذا كان إبادة جماعية حقيقية، بمساعدة التوثيق الدقيق الذي قام به رجال ونساء سوريون في مواجهة نظام بشارالأسد، سجن شرائح كبيرة من السكان، نفي قسري للآخرين، دمار واسع النطاق:- إبادة جماعية؛ فساد ونهب من جميع الأنواع – والقائمة، للأسف، لا يمكن أن تكون شاملة.

بالإضافة إلى إظهارها صرامة استثنائية، يجمع العمل أصواتاً سورية متعددة، كاشفاً عن الأمل الهائل الذي أشعلته الثورة والمعاني المتعددة والشاملة المرتبطة بقمعها المستمر.

الحدث الروائي

تستعرض الرواية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، من خلال غرفة في القصر الجمهوري تطلّ على شارع مهم من شوارع دمشق، حيث تفصل بينه وبين السرد الروائي العلاقة بين حافظ الأسد وشقيقه، ومع مجموعة المعارك الجانبية التي نشأت ضمن صراع قصير بينهما، ولكنّه انعكس على شوارع العاصمة التي فصلتها الرواية شارعاً شارعاً وبأسمائها التي تخاتل الذاكرة وتحلّق فوق الحنين.

تستعرض الفصول التسعة الحرّة من “التحقيب الزمني” أيضاً جوانب من حياة باسل، الوريث المفضل، والحادث المفاجئ الذي غيّرمجرى الأحداث لمصلحة بشار، فتنتقل الرواية إلى عرض مزيد من التفاصيل عن بشار ما قبل الوراثة وما بعدها، وبعض التفاصيل الخاصة بعالمه النسائي وتعريفه في لندن على عائلة الأخرس، بما يشبه الخطّة الأمنية.

تسرد الرواية أيضاً جوانب من الحياة الأمنية والعسكرية في سوريا، وقصّة التماثيل والصور، وتستعرض معظم معالم مدينة دمشق بأسماء شوارعها وساحاتها.

أسلوب السرد

“نظر إلى الخلف وأراد أن يرى ساعة التوقيت بنفسه، فمط عنقه إلى أقصى مسافة ليشاهد عداد الأرقام التي تقفز بسرعة، معبّرة عن التوقيت الذي يمّر بدقة عشر الثانية.

أحدث صوت اصطدام المازيراتي الرصاصية بالحاجز الخرساني الذي يسدّ الطريق ويحوله إلى دوار مؤقت، صوتاً كبيراً، وارتفعت السيارة عن الأرض وطارت في الهواء عدّة أمتار، فتخبط الركاب الثلاثة الجالسون في السيارة.

ولم يكن أي منهم يربط حزام الأمان، وجعلت قوة الصدمة بوالين الأمان تنتفخ بقوة ملأت فراغ السيارة الداخلي.

لكن قوة صدمة السيارة حين ارتطمت بالأرض وبدأت بالانقلاب الأول، جعلت الركاب الثلاثة يتطايرون من النوافذ التي تهشمت وتحوّلت إلى ما يشبه الرز المبعثر.

“ديكتاتوريات الأسد والأدب السوري

تكمن قوة الأدب العظيمة في أنه لا الحرب، ولا العنف، ولا القمع، قادرون على إسكات صوته، وينطبق هذا بشكل خاص على الأدب السوري، الذي وصلت بعض أعماله الرائعة مؤخراً إلى فرنسا، مثل مصطفى تاج الدين الموسى، بمجموعته القصصية الخيالية “خوف في وسط حقل واسع”، وممدوح عزام، بروايته “سلم الموت” التي تدور أحداثها في مجتمعه، والصادرة عن دار “أكت سود”، يمنحاننا فرصة اكتشاف هذا المشهد الأدبي وهو يشهد طفرة جديدة من الطاقة.

يُعيد هذا الكتاب صوت أولئك الذين سعت، وما زالت تسعى، ديكتاتوريات حافظ وبشار الأسد إلى إسكاتهم في سوريا وغيرها، يُوثّق الكتاب ويدين جرائم يُفضّل الكثيرون نسيانها، رغم ارتباطها المباشر بالحياة اليومية.

وعلى غرار الكتب السوداء العظيمة، يروي الكتاب الحقائق بدقة، الإرهاب، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب المنهجي، وحصار المدن، والقصف الكيميائي، والإبادة العرقية والطائفية، و”التطهير” الديموغرافي، مُسلّطاً الضوء على أسسها التاريخية والجيو-سياسية والاجتماعية.

الثورة الذاكرة والتاريخ

تكشف الثورة والثورة المضادة في سوريا عن جوانب جوهرية من عصرنا، التوق الجامح للحرية في مجتمعات طال قمعها، والتطرّف الجامح لجميع أنواع الأنظمة الاستبدادية، وتآكل المُثل الديمقراطية في الدول الغربية، من خلال شهاداتٍ سردية ونصوص أدبية، مدعومة بتحليلات خبراء في صراعات الشرق الأوسط والعنف الجماعي، يُمثل هذا العمل الشامل غيرالمسبوق شهادةً على الذاكرة والتاريخ والتحذير.

إنه يقاوم الإنكار والتبسيط واللامبالاة والصمت ويتحدى الإفلات من عقاب من أغرقوا سوريا في النار وسفكوا الدماء، برفعهم شعار “الأسد أو نحرق البلاد”.

الأسئلة العميقة والتحدي للأدب

ما حدث في سوريا منذ انتفاضة 2011 هائل لدرجة أن استيعاب هذا الواقع الكابوسي يبدو مستحيلاً الآن، إن إغراء إرساله إلى مزبلة التاريخ يبدو قوياً، يُظهر أن ما حدث في سوريا ليس مسألة تخص السوريين فقط، إن سياسة الإبادة التي انتهجها بشار الأسد المخلوع تمس نطاقاً غير محدود وصل إلى عالمنا ويجب أن يوقظه من صميمه.

إن سؤال العالم يطارد السوريين الذين حملوا هذا التاريخ، إنه يطاردهم في شكل غضب جذري وتوقع جذري بنفس القدر، ما هو الإيمان بالعالم الذي يكشفه يأس السوريين؟ ماذا يعني ضيقهم الدنيوي؟ ما دور الأدب والفن في ذلك؟ يطرح هذا الكتاب أسئلة مناهضة للعدمية على عالم مُحطّم، من خلالها تكشف عن أفعال محددة، فعل الشهادة، والكتابة، والتبادل، والتفكير، وفعل التخيل، والمقاومة.

تكمن قوة الكتاب في شعرية فريدة داخل صورة عالم مُحطّم، تُلمّح ولادة لا تُقاوم لعالمٍ آخر.

وتقول لنا فاطمة ياسين: لماذا يتجمع أتباع المذهب الذي ينتمي إليه رئيس البلاد في أسلحة الجيش المختلفة والمخابرات، ويشكلون الغالبية العظمى من المنتسبين والمقبولين… ويقول الكتاب لنا: إن كان وجود أكثر من 95 بالمئة من طلاب كلية المدفعية من “الذين يشكلون أقل من 10 بالمئة من سكان البلاد” هي صدفة تقنية غير مقصودة، أم هي حرب طائفية على بقية المكونات؟!.

آخر الأخبار
سوريا نموذج للسياحة الثقافية في المعرض المتوسطي للسياحة الأثرية بإيطاليا الرئيس الشرع يناقش مع وزارة الداخلية الخطط والبرامج المستقبلية لتعزيز الأمن والاستقرار الرئيس الشرع يناقش مع وزارة الداخلية الخطط والبرامج المستقبلية لتعزيز الأمن والاستقرار جدار استنادي لمدخل سوق المدينة في حلب القديمة مصطفى النعيمي: "قسد" رهينة الأجندات الخارجية  مؤيد القبلاوي: انتهاكات "قسد" تقوض اتفاق الـ10 من آذار  القنيطرة تتحدى.. السكان يحرقون مساعدات الاحتلال رداً على تجريف أراضيهم انطلاق الملتقى الحكومي الأول لـ "رؤية دير الزور 2040" الشيباني يعيد عدداً من الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد إلى العمل ظاهرة جديدة في السوق السورية "من لا يملك دولاراً لا يستطيع الشراء" سرقة الأكبال الهاتفية في اللاذقية تحرم المواطنين من خدمة الاتصالات حقوق أهالي حي جوبر على طاولة المعنيين في محافظة دمشق غزة أرض محروقة.. لماذا قُتل هذا العدد الهائل من الفلسطينيين؟ سيارة إسعاف حديثة وعيادة جراحية لمركز "أم ولد" الصحي بدرعا المفوضية الأوروبية تخصص 80 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في الأردن تحديات وصعوبات لقطاع الكهرباء بطرطوس.. وجهود مستمرة لتحسينه زيارة الشرع إلى واشنطن إنجاز جديد للسياسة الخارجية السورية بحث تعزيز التدابيرالأمنية في "الشيخ نجار" الصناعية بحلب اقتصاد محصول الحمضيات "لا معلق ولا مطلق" والوعود "خلبية" سوريا ولبنان تسعيان إلى تعزيز التعاون وتجاوز العقبات الماضية