الثورة _ بشرى سليمان:
تتصدر أخبار الحرب مع الكيان الصهيوني المتغول في اعتداءاته على غزة ولبنان، شاشات التلفزة والسوشيال ميديا، وأطفالنا ليسوا بمنأى عن رؤية مناظر ومشاهد قاسية أبطالها أطفال ونساء وأشلاء، حتى لو كانت بمحض المصادفة أثناء تجمدنا نحن الكبار أمام الشاشات لنبقى على اطلاع ومعرفة ما يحدث، فنراكم من حيث لا نعلم مشاكل نفسية مستقبلية لأطفالنا.
كيف نتعامل مع أطفالنا في مثل هذه الظروف؟ هل نحجبهم تماماً عن هذا الواقع الأليم؟ أم نسمح لهم بمتابعة ما يجري ضمن مشاهد مقبولة لأعمارهم؟..
الاختصاصية النفسية يارا أحمد في لقاء مع صحيفة الثورة قالت: قد تكون الأخبار السيئة الواردة عبر وسائل الإعلام المرئية، مثل التلفاز عصيَّة على فهم الأطفال، خاصةً تلك التي تغطي حوادث القتل والموت والدمار بالصور والفيديوهات، أو تنقل مقابلات مع الناجين أو المتضررين بمشاهد وصور تكسر قلوب الكبار، فما بالك بقلوب الصغار؟ والهروب من تلك القصص الحزينة والمؤلمة المنتشرة كيفما اتجهنا في يومنا هذا صعبٌ جداً، حيث يتواجد التلفاز في البيت، والراديو في السيارة، أو صفحات التواصل والمواقع الإلكترونية.
الشدات النفسية
تشير أحمد إلى أن الأبحاث الطبية أثبتت منذ فترة بعيدة أن تلك الأنباء قد تتسبب باضطرابات نفسية للبالغين، بسبب تعرضهم لهذا المد المستمر من الأنباء السيئة، خاصة نشوب النزاعات البشرية أو أعمال العنف التي تتم بدون أدنى إحساس بالذنب من قبل مرتكبيها، وهناك دراسات أكدت على التأثُّر البالغ والشدَّات النفسية التي تصيب الأطفال أثناء متابعة أخبار المعارك الحربية أو تحطم الطائرات أو الفيضانات أو الهزات الأرضية فهم في الغالب يخافون من وقوع حدث أليم مماثل لهم أو لعائلاتهم، وهذا قد يثير لديهم ارتكاسات عاطفية حادة تتجلى بمزيد من القلق والتوتر عندهم بكل ما يحمله ذلك من آثار آنية ولاحقة قد تكون طويلة الأمد وبعيدة المدى.
عمر الطفل يحدد مشاهداته
الاختصاصية أحمد أكدت على ضرورة الانتباه لخطورة مشاهد الأحداث الأليمة على الأطفال خاصة من هم في عمر ما قبل المدرسة، الذين هم في الشريحة العمرية الأكثر خوفاً من وقوع أحداث مماثلة لهم ولعائلاتهم، لضعف قدرتهم على الربط الزماني والمكاني في هذا العمر، في حين أن الأطفال الأكبر عمراً (في عمر المدرسة)، يكونون أكثر قدرة على معرفة الأحداث البعيدة، وتمييز الفرق بينها وبين القريبة، لذلك يجب عدم السماح للأطفال دون السادسة بمجالسة الكبار أثناء متابعة هكذا أخبار، أو حتى تجنب الصدفة في حدوث ذلك، أما الأطفال الأكبر عمراً وحسب الدراسات فلا يجب إخفاء الأخبار تماماً عنهم بل يمكن تحديد وقت المشاهدة بتغيير المحطة التلفزيونية بعد وقت قصير (كي لا نُظْهِر للأطفال فزعنا من مشاهدتهم لتلك البرامج الإخبارية فنعطيها أكثر من حقها، وفي نفس الوقت نكون قد قصرنا فترة المشاهدة ).
قواعد هامة
وترى أنه من المهم جداً حماية أطفالنا من مشاهدة الأحداث المؤلمة لكن في الحقيقة لا نستطيع أن نشكل حاجزاً تاماً في هذا العمر وهذه الأيام العصيبة، وإن فعلنا فهذا سيثير استغراب الطفل، وقد يثير لديه مزيداً من القلق ويعقِّد المشكلة، لذا يُنصح أن تحصل تلك المشاهدات وحتى الأخبار المقروءة، في وجود الأهل، كي يتسنى لهم مراقبة حالة الطفل ومدى تأثره والشرح والتعليق المبسط على بعض المشاهد المؤلمة بشيء من الواقعية، ولكن مع إجلاء الصورة له، أن خطراً مماثلاً سيبقى بعيداً عنه كمثال، أو استغلال الفرصة لشرح أساليب الوقاية، وطرق التصرف في حوادث أخرى كالزلازل والفيضانات، وتقديم النصح حول ما يجب فعله في حال التعرض لأخطار مشابهة لما يراه الطفل في التلفاز أو ما يقرأ عنه في الصحف.
إلى جانب ذلك تشير الاختصاصية أحمد إلى ضرورة بقاء الأهل جاهزين للإجابة عن تساؤلات الطفل العديدة عن قضايا كبيرة كالحياة والموت والحرب والأحداث المهمة، وإصلاح بعض الأفكار الخاطئة في فهم الطفل ومدى استيعابه لما رأى ويرى أو ما سيرى، ومن المهم أيضاً التحدث مع الطفل عن شعوره حيال رؤيته بعض المشاهد التراجيدية، وترك المجال له لتوضيح مشاعره بلغته الخاصة، وبناء أبجديته في شرح ما يدور في خلده بدل أن تتم تلك المحاورات بين الطفل وذاته، فيكون لبعض المشاعر تأثيرات سلبية على نفسيته لاحقاً.
كما يجب التركيز في الحوار مع الطفل على إيضاح أن الأمور السيئة واردة الحدوث، لكن الأمور الجيدة واردة الحدوث أيضاً وبشكل أوسع، وأن بعض البشر هم مؤذون للآخرين، لكن الغالبية العظمى من الناس هم مصدر مساعدة للآخرين في أزماتهم، وهذا مهم في تعليم الطفل كيفية استعادة التوازن العاطفي في مواجهة السيئ والجيد في حياة الإنسان.