الثورة – دمشق – مازن جلال خيربك:
بين مصرف سورية المركزي أن التضخم المرتفع في الاقتصاد السوري -مع استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادي خاصه الإنتاجي منه- يسهم في زيادة التكاليف الناجمة عن كبح جماح التضخم، كما تتشكل صعوبة كبيرة -في ظل ضعف عجلة الإنتاج- في تكوين توقعات عقلانية إيجابية لدى الأسر بشأن خفض التضخم أو إحداث فجوة سلبية بالطلب تمكّن من تقليص التضخم.
حلول ملائمة واستراتيجية
وفي دراسة له حول “تكلفة كبح جماح التضخم بالاعتماد على مدى العقلانية”، أوضح المركزي أن هذه المعطيات تحتّم البحث عن حلول ملائمة واعتماد استراتيجية تمكّن من استعادة الإنتاج والاستثمار، ودعم النشاط الاقتصادي بالدرجة الأولى، والعمل على استقرار معدل التضخم من بعدها، ومن ثم تحسين التوقعات العامة لدى الخبراء والأفراد والأسواق المحلية، ودفعها باتجاه خفض التضخم وتثبيته نسبياً عند المستوى المحفز للإنتاج والمتوافق مع أهداف السياسة النقدية والمصرف المركزي.
طفرة التضخم العالمي
وبحسب المركزي فإن الاعتقاد قد ساد بعد فترة قدرت بعقد زمني من معدلات التضخم المنخفضة في أعقاب الأزمة المالية الكبرى، ساد الاعتقاد بأن مستوى التضخم المستقر نسبياً وتوقعات التضخم الثابتة (والمعروف اصطلاحاً بالاعتدال الكبير) بأن الوضع الطبيعي الجديد سيكون طبيعياً في معظم البلدان، إلى أن جاءت صدمة جائحة كوفيد-19 وتداعياتها محدثة طفرة في التضخم العالمي لم يشهدها الاقتصاد منذ الثمانينيات، حيث ارتفع التضخم وبقي مرتفعاً لعدة أشهر وبدأت معه توقعات التضخم في الارتفاع، وقد أشارت النماذج التجريبية والبنيوية التي تتضمن منحنى فيليبس المنخفض”1” إلى أن تكاليف خفض التضخم قد تكون كبيرة.
تأثير “المركزيّة” على الأُسَر
المركزي قال في دراسته إن ورقة بحثية قامت بتقديم حقائق مبسّطة حول التضخم وتوقعاته وعلاقة التضخم بالبطالة في مختلف البلدان، وكيف تؤثر التوقعات في كل بلد على توقعات الاقتصاد الكلي، وتكلفة كبح جماح التضخم بالاعتماد على مدى العقلانية، وفي إطار تحليلها عرضت النماذج الكينزية الجديدة القياسية التي تختلف عادة وفق الطريقة التي تقدم فيها الأسر توقعاتها، كما وضعت نموذجين لاقتصاد متقدم وآخر ناشئ في ظل افتراضات مختلفة لتكوين التوقعات، حيث تخلق استراتيجية النمذجة هذه آلية جديدة يمكن للبنوك المركزية من خلالها التأثير على التضخم، وبشكل خاص تؤثر البنوك المركزية على توقعات الأسر بشكل مختلف اعتماداً على عملية التعلم الجارية.
صدمات زيادة التكاليف
ووفقاً للمركزي فقد أظهرت الورقة أن البيانات والنتائج المستخلصة بواسطه نموذج التوازن الديناميكي العشوائي DSGE القياسي الصغير”2″ يمكن تكرارها عند التقدير باستخدامات مختلفة، كما بينت أن التضخم عندما يتحرر من ثباته وتنحرف التوقعات يمكن ملاحظة ارتفاعه حتى مع وجود فجوة إيجابية طفيفة في الناتج، وذلك في حالة الاستجابة لصدمات زيادة التكاليف، لافتاً إلى أن النتائج تشير إلى وجوب عدم استخدام منحنى فيليبس غير المشروط المقدر”3″ في الأوقات العادية للتنبؤ في احتساب تكلفة كبح جماح التضخم، والذي يتضمن تشكيل السياسة المثلى على تشديد السياسة النقدية في وقت مبكر، ومن ثم تخفيفها في سياق الفجوات الإيجابية في الناتج، حيث يكون التضخم أعلى بكثير من هدف البنك المركزي.
إيضاح:
“1”: منحنى فيليبس هو المؤشر الذي يُظهر المقايضة بين البطالة والتضخم في الاقتصاد، وبحسب جون مينارد كينز عالم الاقتصاد الانكليزي، يجب أن ينحدر منحنى فيليبس إلى الأسفل بحيث يكون ارتفاع معدلات البطالة يعني انخفاض التضخم، والعكس صحيح، ومع ذلك، فإن منحنى فيليبس المنحدر نحو الأسفل هو علاقة قصيرة المدى قد تتغير بعد بضع سنوات وفقاً لتغير المعطيات.
“2”: هو نهج حديث للتعامل بشكل صحيح مع قضايا الاقتصاد الكلي الديناميكية والتزامنية والعشوائية، حيث يركز النموذج على التأثيرات الديناميكية للسياسات، كما يتناول التأثيرات طويلة المدى والتكيف قصير المدى في بيئة عشوائية ناهيك عن الشك في أسعار النفط والدورة الاقتصادية الحقيقية وسواها من معطيات.
“3”: سُمّي منحنى فيليبس على اسم الاقتصادي النيوزلندي ويليام فيليبس، ودرس من خلاله العلاقة بين البطالة والأجور في المملكة المتحدة في الفترة بين عامي 1861-1957، حيث وجد فيليبس علاقة عكسية بين مستوى البطالة ومعدل التغير في الأجور (أي تضخم الأجور)، وامتدت دراسته لتشمل تضخم الأسعار بشكل عام.