الثورة- دمشق- مازن جلال خيربك:
شهدت المؤسسات العامة في سورية بدءاً من أعلى مستوياتها الإدارية وهي الوزارات الى أدناها وهي الشركات، شهدت ما يُعتقد أنه حل لمشاكلها وهو الدمج..
سيد الموقف
لقد شاهدنا حالات كثيرة من الدمج وفك الدمج وإعادته، كما كان الحال في وزارة الإسكان والمرافق ووزارة الإسكان والتعمير، وكما كان الحال في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وكذلك في وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العمل. وهو حل أثبت الواقع بأنه ليس كذلك لأن كل ما دُمج أعيد فك ارتباطه مجدداً، ولا تخرج الحلول المقبولة إدارياً ومالياً واقتصادياً عن إطار الدمج، فمن المؤسسات الإعلامية وصولاً إلى المصارف لا يزال الدمج هو سيد الموقف.
نقاش في العناوين
خلال السنة والنصف الأخيرة، أُعلن أكثر من مرة عن النية بدمج مصرف التسليف الشعبي مع مصرف التوفير ليصبحا مصرفا واحدا، وقد عُقدت بضع جلسات قليلة لأجل ذلك، وبحسب ما علمت ل”الثورة” من مصادر مشاركة في الجلسات، فإن تلك الجلسات لم تشهد نقاشاً في العمق يشمل الأصول والموجودات والسيولة من ودائع بكافة أنواعها ، وإنما كان الحديث فقط في الشأن الإداري أي مجرد نقاش في العناوين، ولا يغيب عن الذهن هنا أن النقاش في الشأن الإداري لمؤسسة مالية اقتصادية إنما هو نقاش في القشور كمن يقيّم المحيط وهو مبحر على سطح مياهه فقط.
هل من هدف؟
المشكلة هنا ليست مع الدمج بحد ذاته، بل هي مع الهدف من الدمج وتالياً لذلك ماهية الدمج وكيفيته، فالحديث هنا عن دمج مصرف التوفير مع مصرف التسليف الشعبي إنما هو حديث جميل من حيث المبدأ لا من حيث المضمون، إذ ما الهدف منه.. وهل هو إنشاء كيان مصرفي جديد يكون قادرا على النهوض بأعباء القروض الشخصية والاستهلاكية التي تخصص بها هذان المصرفان أكثر من غيرهما؟.. أم إن الهدف هو إيجاد الحل للمشكلات التي تعترض هذين المصرفين، وكلنا يعرف ان المشكلات التي تعترضهما ليس مصدرها او منشأها المصرفين بحد ذاتهما رغم التعثر الذي مرا به في مفاصل من تاريخهما العريق جدا..!!.
ماهيّة الحل
إن كان الهدف إيجاد الحل، فالحل إذاً يمكن أن يكون موجوداً للمصرفين كليهما، بمعنى أن إنشاء كيان جديد مصرفي يتضمن التوفير والتسليف، فذلك يعني اما وراثة المشكلات والديون والعقبات التي كانت قائمة، ولا نكون قد فعلنا شيئا في هذه الحالة إلا نفقات الدمج والتسميات وخلافها، وإما أن يكون الكيان جديدا دون أية أثقال على كاهله، وذلك يعني أن إيجاد الحل لهذه الأثقال هو أمر ممكن، وعليه فلم لا يكون الحل موجودا لهذين المصرفين مثل زيادة رأس المال ومثل ضخ بعض السيولة الحكومية لديهما، او تحويل بعض السيولة اليهما من المصارف المثقلة بالسيولة والتي يُقال أن سيولة بعضها تجاوزت 5000 مليار ليرة سورية، بل إن بعضهم تحدث عن 9000 مليار ليرة وربما أكثر، هذا عن مسألة الهدف من الدمج.
كيفيّة الدمج
أما فيما يتعلق بكيفية الدمج فهنا المشكلة أكبر وأوسع نطاقا، فالدمج في أدبيات الاقتصاد والمصارف هو إما استحواذ أحد المصرفين على الآخر وشراء أصوله وموجوداته، وهي حالة شهدناها مؤخراً منذ سنة أو أكثر بقليل في القطاع الخاص، حين اشترى أحد المصارف مصرفا آخر واستبدل اسمه، واستحوذ عليه كاملا وأصبح خاضعا له، وهي حالة على الغالب غير موجودة لدينا ولم يسبق ان قام بها مصرف في سورية منذ الاستقلال وحتى اليوم، وقد يكون الدمج بين المصرفين هو قيام كيان واحد جديد أو اتحاد بين هذين المصرفين بإدارة واحدة، أي ان كياني المصرفين المدمجين مازال قائما، وقد يكون الاندماج يعني تلاشي المصرفين المشتركين في عملية الاندماج أو الدمج وظهور مصرف جديد له شخصيته القانونية الجديدة المستقلة.
سؤال لا ثاني له
كل هذه التفاصيل لم يعلن عنها ولم تُناقش على الملأ لإبداء الراي فيها ولم يتم الحديث عن كل ذلك، الامر الذي يعيد الى الأذهان التجارب السابقة بين الوزارات والتي أثبتت عدم جدواها، فما بالك بالمصارف، وبالنسبة لهذه الأخيرة لابد من اختصار كل ما سبق بسؤال واحد: ما هي الفائدة المجنية من دمج هذين المصرفين، إن كان الجواب مقنعاً يكون الانتقال إلى الملفات التالية الشائكة من مدى القدرة على تحقيق الهدف من دمجهما، إلى مدى القدرة على التعامل مع كيفية الدمج وكل ما يستتبع ذلك من تفاصيل، بدءاً من المقرات وتجديدها وترميمها وصولا الى نوعيه الخدمات المطروحة.