لافتة الأرقام التي رشحت أمس عن المجلس الأعلى للاستثمار، وهي بالفعل إنجاز لمنظومة إدارة الاستثمار ولدولة تنافح وتكافح لمعاودة النهوض بعد سنوات طويلة من الاستهداف والحصار.
فأن يكون العام 2024 صاحب حصة تزيد عن كل ما تم منحه من تراخيص منذ صدور قانون الاستثمار الجديد في العام ٢٠٢١، وأن تزيد التكلفة الاستثمارية للمشروعات المرخصة عن إجمالي كتلة الموازنة العامة للدولة للعام ٢٠٢٥ بأكثر من ١٠ آلاف مليار ليرة، يعني أن البلد قد بدأت بالإقلاع على طريق التعافي، وقد يكون علينا أن نتفاءل بعدم تأخر نضوج إسقاطات على الأرض للاستثمارات المرخصة، فهي كفيلة – مع متوالية التراخيص- بإحداث نقلة تنموية هامة من النوع والمستوى الذي ننتظره جميعاً.
إلا أن الملاحظة – الغصّة – كانت في تواضع حصُة الاستثمارات الزراعية من إجمالي المشروعات المرخصة، وهذا أمر مثير للتساؤل ومثير للقلق أيضاً، لاسيما وأننا بلد تتصدر الزراعة واجهة اقتصاده، وهي مضمار النشاط البشري الأوسع للسكان، كما تتصدر ما يسمى الميزات النسبية للاقتصاد.. وتتصدر قوائم – صادرات الأمل – إن صح التعبير.. فأين المشكلة إذاً؟!
لا بد أن تبحث وزارة الزراعة عن إجابة قبل أي جهة أخرى معنية بالاستثمار، ولا نظن أن ارتباك الوزارة المزمن أمام سلسلة مهام لم تنجز، يسمح ببلورة إجابة واضحة ومقنعة، تكون مقدمة للاستدراك السريع.
إلا أن حقائق الواقع تقدم نفسها للجميع، ولا تسمح بالفبركات ولا تعترف بها إن حصلت.. فوزارة زراعتنا كانت تعمل طيلة سنوات الحرب على البلاد، كوزارة تسيير أعمال، لا وزارة مبادرات وإدارة تحفيزية للقطاع، لذلك كان هذا الكم الهائل من التراجع المريب في قطاع الاستثمار النباتي، و التقهقر المثير للقلق في مجال الاستثمار الحيواني..
يبدو أن المشكلة في وزارة الزراعة تنبع من طبيعة التوصيف الذي اختارته لنفسها في صكوك إحداثها “وزارة خدمات اجتماعية”، لا وزارة ذات صلة بالشأن الاقتصادي والاستثماري، لذا نأت بكل ثقلها عن الرؤى الإستراتيجية المتعلقة بالاقتصاد الكلّي، واكتفت بمحاولة “تسيير أعمال القطاع”.
اليوم.. لابد من رؤية ومنطلقات جديدة في توجه وزارة الزراعة، لتكون شريكاً في الرؤى الكليّة للاقتصاد والاستثمار في سورية، لا مجرد صوت رافض لأي إجراء تطويري غير تقليدي يجري بحثه في غرف الاجتماعات الكبرى، رفض دون تقديم بدائل وخيارات، أي تعطيل وتجميد، وهذا ما كان الجميع يستغرب أسبابه.
متفائلون من الآن فصاعداً، بخروج الوزارة من دوائر تصريف الأعمال الضيقة، والانضمام إلى فريق إدارة الاقتصاد والاستثمار، فهي شريك.. وشريك قوي وفاعل إن أرادت، وعندما تخرج وتتفاعل وتتماهى مع الرؤيا الإستراتيجية للدولة، سنشهد بالتأكيد أرقاماً أفضل لحصة الاستثمارات الزراعية من إجمالي التوظيف الاستثماري، ولعلها ستكون صاحبة الحصة الأكبر.
نهى علي