لا شك أن روحاً جديدة بدأت تظهر في الخطاب الحكومي بالنسبة لملفات عديدة تحولت نتيجة الإهمال إلى ملفات شائكة، ولا شك أن هذه الروح الجديدة تتسم بالجرأة والخطاب النوعي.. ولكن..
لا شك أيضاً أن هذه الطروحات الموضوعية الجريئة تحتاج إلى الدراسة والتمحيص أكثر حتى يكون بناؤها متيناً، وحتى تكون نتائجها أكثر إحكاماً، لجهة الرأي الحكومي القائل مؤخراً بأنه “من غير الممكن تقديم الخدمات العامة مجاناً وإلى الأبد” لاسيما أن “استمرار تقديم الخدمات يستوجب أن تقترن بأسعار وعوائد مدروسة تضمن التوازن بين تقديم الخدمة والقدرة على تمويلها” الأمر الذي يستوجب التوقف عنده.
القضية أن الخدمات العامة التي تقول الحكومة إنها مجانية باتت مأجورة، وندفع تكاليفها على مرحلتين: الأولى الرسوم والضرائب المتوجبة التي يدفعها المواطن لخزينة الدولة والثانية التكاليف والإكراميات التي باتت علنية ولا تدخل في خزينة الدولة بل لبعض الفاسدين وترهق المواطن، أما فيما يتعلق بأمور حيوية أخرى مثل العلاج، فبات المواطن يدخل إلى مشفى حكومي فيفاجأ بقوائم مطبوعة من الاحتياجات بدءاً من القطن والمعقمات والقفازات، وصولاً إلى مستلزمات العلاج من شبكات القلب وسواها، وكذلك الحال أن يولى وجهك شطر دائرة لاستصدار ورقة ما، ولو كانت الورقة سند إقامة من المختار، فيكون الجواب أحضر ورقاً أبيض للكتابة فليس لدينا (طبعاً هذه تكلفة مستقلة عن السعر أو الرسم)، كل هذه النواحي تجعل من الخدمات العامة أصلاً غير مجانية.
وضمن ذات السياق فإن الأسعار الخاصة بهذه الحالات التي تسمى مجازاً خدمات عامة مجانية، تُرفع بشكل متواتر ولا يستهين فيها أحد وتلحظ الحكومة وبعين العطف كل التسعيرات الخاصة بالجميع، فكشفية الطبيب ارتفعت رسمياً وكذلك أسعار الدواء والمحروقات، والكهرباء والمياه وكله من جيب المواطن فلم تعد الخدمات العامة مجانية!
كل ما سبق تعرفه الحكومة جيداً ويصلها حكماً إن كان بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام، ومع ذلك لا تلحظ الحكومة بالمطلق أن رواتب الموظفين تقل عن إكرامية يحصل عليها مستخدم على باب في يوم واحد، ليكون نهاية السؤال الأهم والأبرز إن كانت الخدمات العامة مجانية ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد.. ما هي إذاً هذه النواحي التي يُنفق عليها المواطن من جيبه في المؤسسات والمرافق الخدمية العامة..!
التالي