الثورة – عبد الحميد غانم:
عملية التحول السياسي التي تشهدها سوريا وشعبها اليوم تواجهها تحديات مفصلية، خاصة وأن سوريا ما بعد سقوط النظام السابق باتت أمام تركة ثقيلة تتحملها قيادة العمليات بمسؤولية وكفاءة، تتطلب إزالة ما خلفه النظام البائد من إرث ثقيل، وفساد إداري ومالي، وهياكل مؤسساتية عفا عليها الزمن، ما يتطلب من قيادتنا الجديدة جهداً استثنائياً لإعادة بناء سوريا بشكل شامل وإعادة الأمل لشعبها الذي عانى الأمرين.
شعب الأبجدية الأقدم في التاريخ اليوم أمام امتحان كبير، يتطلب المسارعة إلى التسامي فوق الأسى والمعاناة، وترميم فجواته المجتمعية، وهي ثقيلة؛ إذ إن هناك بنى ومؤسسات دولة لكنها تفتقد للمأسسة المعتبرة، وتعشش فيها مفرزات المحسوبية، وتسيّر بمعظمها وفق مقتضيات الفساد الذي كرسه النظام البائد بتوظيف بنى ومؤسسات البلد لصالح إبقاء هذا النظام في خدمة مصلحته الأنانية.
مما يفرض على السوريين اليوم زج الطاقات لإخراج بلدهم من التشظي الذي حشروا فيه لعقود طويلة، وعليهم الوقوف بشجاعة ووعي تاريخي باستحقاقات الخروج من أعباء التركة الثقيلة، وتحديات طي صفحة عهود أنهكت سوريا، وأصمّت آذان أبنائها بدعاوى جعلت واقعهم من الأسوأ عالمياً في مختلف الميادين.
سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد المخلوع أضحت أمام تركة ثقيلة لأنّ ما جرى يوم 8 ديسمبر/كانون الأول كشف المستور من بنية خلفها النظامٍ البائد الذي حول قضية الأمن مثلا فجعلها كقميص عثمان يستبيح بذريعتها شعبه وبلده لحدٍ أذهل العالم مما شاهده على الشاشات من معالم للقمع والتنكيل الذي مورس على أوسع مدى، فطال السوريين بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم ومعهم عرب وأجانب.
لقد اختزل النظام الدولة في شخص الأسد المخلوع، وحوّلها إلى مزرعة تسير بالاتجاه المرسوم لمصالحه.
لذلك جاءت القيادة الجديدة بمشروعها المعاصر من أجل أن تخرج سوريا من معضلتها، وأن تخرج سورية بأداء قادتها الجدد ووعي طبقتها السياسية القادمة من كل ما يمت لساديّة النظام البائد بصلة، والعمل بألا تغرق سوريا في وُحول الفوضى الأمنية، وأن تمتلك الدولة خطابها المتوازن والواقعي، وشراكتها الحقيقية مع المجتمع بدفعه لتشكيل قواه المجتمعية وفقًا لروح تُعلي مفهوم المواطنة وتكرّس شأنها، وتؤسس على حسّ المسؤولية والشراكة من مختلف الأدوار، وأيضاً بأن يتعزّز في الوعي العام مفهوم الدولة الناظمة والميسّرة لا الدولة الآسرة ولا المحتكرة، دولة تفصل بين مؤسساتها بشكل واضح، وتنسج العلاقات البينية للمؤسسات بشكل متوازن يضمن سلامة أدوارها وانخراطها في آليات اتخاذ القرار وتحسينه.
تطلعات السوريين وآمالهم تنجذب نحو القيادة الجديدة ودورها السياسي في نقل البلاد نحو مستقبل رحب ومشرق وأفضل لهم، يوصلهم إلى بر الأمان والاستقرار والازدهار، وتكون ببرنامجها وتفكيرها جسراً لهذا الانتقال.
وضمن هذا المستقبل، تقود الإدارة السورية الجديدة العملية السياسية لتحقيق التقدم، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو العرقية، ونحو تحقيق المشاركة الواسعة لجميع الفئات في الحياة السياسية والاجتماعية، التي تمثل حقاً دستورياً لكل سوري، ومن هنا جاءت دعوة الإدارة الجديدة للجميع إلى المشاركة الفعالة في بناء سوريا المستقبل، باعتبار أن إشراك جميع الأطياف السورية هو من صلب حرص والتزام الإدارة الجديدة بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وذلك لخلق سوريا جديدة تستند إلى قيم المساواة والشراكة والاحترام المتبادل.
وعليه ينطلق مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده قريبا، للوصول إلى اتفاق لبناء سياسي يقوم على العدالة والديمقراطية ويرسي دستورا جديدا للبلاد ويمهد لانتخابات حرة وبرلمان جديد.
#صحيفة_الثورة