الثورة – سومر الحنيش:
في وقت تعد فيه الرياضة المدرسية، حجر الأساس، لاكتشاف المواهب، وبناء أجيال صحية وواعية، تُعامل حصة التربية الرياضية، في معظم المدارس السورية، وكأنها “ترف زائد” فتلغى أحياناً لصالح مواد أكاديمية، أو تمارس على عجل في ساحات ضيقة غير مجهزة، هذا التهميش، الذي امتد لعقود، لم يؤثر فقط على جودة التعليم الرياضي، بل ترك أثراً سلبياً على صحة الطلاب البدنية والنفسية، وأدى إلى انحسار عدد المواهب الرياضية التي كان يمكن أن تبرز على الساحة الوطنية والدولية.
– مدارس بلا ملاعب:
مدارس بلا ملاعب، وأخرى تستثمر في “المظاهر”
في المدارس الحكومية، إذ تبدو ممارسة الرياضة أشبه بالمستحيل، فالملاعب غائبة، والساحات ضيقة وغير مؤهلة، والأدوات الرياضية، إن وجدت، فهي في حالة يرثى لها، المشهد اليومي في معظم المدارس الحكومية يظهر طلاباً يتكدسون في ساحات إسمنتية صغيرة، في ظل غياب أي نشاط رياضي حقيقي.
في المقابل، تبدو الصورة أفضل في المدارس الخاصة، التي تمتلك ملاعب حديثة وصالات رياضية، لكنها توظف غالباً كأداة تسويقية لجذب الأهالي، دون وجود برامج جادة لاكتشاف المواهب أو دعم الرياضات المختلفة.
يقول المدرب الرياضي محمد مطرود، معلقاً على هذا التفاوت: “كيف نطمح لتحقيق إنجازات رياضية عالمية بينما لا نوفر حتى أبسط مقومات الرياضة المدرسية؟ المدارس كانت المنصة الأولى لصناعة الأبطال، لكن اليوم، لم يعد هناك اهتمام حقيقي لاكتشاف المواهب، والإمكانات المتاحة لا تتعدى مجرد نشاط بدني غير منظم”
– الثقافة المجتمعية.. العدو الخفي:
في ظل غياب إحصائيات رسمية عن عدد المواهب الرياضية المهمّشة، أو تأثير تراجع النشاط البدني على صحة الطلاب، تبدو الأزمة أعمق من مجرد نقص في المرافق، فالثقافة المجتمعية السائدة، التي تفضل التحصيل الأكاديمي على أي نشاط آخر، تعزز من تهميش الرياضة، حتى بات الأهالي أنفسهم يتقبلون إلغاء الحصص الرياضية لصالح الدروس الخصوصية!
– قاعدة الأبطال التي تلاشت:
لم يكن الحال هكذا دائماً، فالرياضة المدرسية في العقود الماضية كانت المصدر الرئيسي لاكتشاف الرياضيين في سوريا، من خلالها، برزت أسماء في كرة القدم، وألعاب القوى، وكرة السلة، وغيرها من الرياضات، حيث كانت البطولات المدرسية تمثل منافسة حقيقية تفتح الأبواب للمواهب للانضمام إلى الأندية والمنتخبات الوطنية.
لكن اليوم، ومع غياب هذه البطولات، وافتقاد المدارس إلى خطط واضحة لصقل المهارات الرياضية، تضيع المواهب في زحام الإهمال، ويبقى السؤال: كيف يمكن إعادة الرياضة المدرسية إلى مكانتها؟.
– خطوات ضرورية لإعادة إحياء الرياضة المدرسية:
إذا كنا نريد مستقبلاً رياضياً قوياً لسوريا، فلابد من إعادة الاعتبار للرياضة المدرسية، وذلك عبر جعل الرياضة مادة أساسية، فيجب أن تصبح حصة التربية الرياضية إلزامية، مع احتساب علاماتها ضمن المجموع العام للطلاب، مما يمنحها أهمية حقيقية في النظام التعليمي.
وتحسين البنية التحتية، كبناء ملاعب مناسبة داخل المدارس، أو التعاون مع النوادي المحلية لتوفير أماكن تدريب للطلاب، وإعداد كوادر مؤهلة من خلال تعيين مدربين متخصصين بدلاً من الاعتماد على معلمين غير مؤهلين للإشراف على الأنشطة الرياضية.
وإطلاق بطولات مدرسية منتظمة، فتنظيم منافسات محلية بين المدارس لاكتشاف المواهب، وتحفيز الطلاب، يساعد على تطوير مهاراتهم.
والتعاون مع الأندية الرياضية من خلال إنشاء شراكات بين المدارس والأندية لفتح المجال أمام الطلاب الموهوبين للانضمام إلى فرق رياضية محترفة.
– مستقبل أم حلم ضائع؟..
قد يكون تهميش الرياضة المدرسية أمراً واقعاً، لكنه ليس قدراً محتوماً، إن بناء مستقبل رياضي قوي في سوريا يبدأ من المدارس، من إعادة الاعتبار لحصص الرياضة، ومنحها الاهتمام الذي تستحقه، سواء من قبل المسؤولين أم المجتمع ككل، إن إهمال الرياضة المدرسية يعني خسارة أجيال من الرياضيين الذين كان يمكن لهم أن يرفعوا اسم سوريا في المحافل الدولية، لكن دعمها يعني بناء مجتمع صحي، نشيط، ومنافس على أعلى المستويات، فهل نمتلك الإرادة لنعيد للرياضة المدرسية دورها الحقيقي، أم سيظل هذا الحلم مؤجلًا؟.