ترجمة وإعداد – سهيلة إسماعيل:
ولد الكاتب والمفكر الفرنسي بول نيزان في بداية شهر شباط عام 1905 في مدينة تورز لأب عامل في السكك الحديدية.
أمضى طفولته في تورز ثم درس في مدرسة هنري الرابع الثانوية في باريس مثل جان بول سارتر، زميله الذي أصبح صديقاً له، التحق بمدرسة المعلمين العليا، اتسمت هذه السنوات الدراسية بعدم الارتياح الوجودي، والشكوك السياسية، والتساؤلات العنيفة حول المجتمع ككل.
سمحت له رحلته إلى عدن (اليمن) عامي 1926-1927 بالهروب من الاختناق الذي كان يشعر به في عالم الحي الأكاديمي والفكري الخامس الصغير، ومع ذلك، فإن هذا الرحيل، الذي وصفه هو نفسه بـ “طفل الخوف”، لا يمكن تشبيهه برحلة ريمبالديان؛ على العكس من ذلك، يتم التنديد بالحرية الزائفة للمسافرين: “اهرب، اهرب دائماً حتى لا تعتقد بعد الآن أنك مشوه؟”
وفي عدن، وجد أوروبا التي كان يأمل في مغادرتها، متكثفة في مجتمع استعماري أدان تصلبه وفضائحه، عند عودته إلى باريس، نشط بالكتابة لعدة مجلات كانت موجودة حينذاك.
انضم بول نيزان إلى الحزب الشيوعي في عام 1927، ومنذ ذلك الحين، كان التزامه كاملاً بالحزب، حتى توقيع الميثاق الألماني السوفييتي، عمل في بلدة بورغ أون بريس، فدرَّس مادة الفلسفة بين عامي 1931-1932، وحتى فصله من المدرسة الثانوية في عام 1934، للمشاركة في المؤتمر الدولي للكتاب السوفييت، سافر إلى الاتحاد السوفييتي وعاش مع زوجته في موسكو، وفي طاجيكستان بدأ كتابة “حصان طروادة”. واستمر بالكتابة في العديد من الصحف كصحيفة اللوموند، وأوروبا، وغيرها، ثم في صحيفة L’Humanité منذ عام 1932 وفي ” هذا المساء”، التي تأسست عام 1937.. وفي هاتين الصحيفتين اليوميتين، كان مسؤولاً عن قسم السياسة الدولية.
فسر التزامه المطلق ويقظته الشديدة تجاه الأحداث الدبلوماسية الدولية الصاعقة التي رافقت إعلان توقيع المعاهدة الألمانية السوفييتية، ترك الحزب قبل أن يتم حظره، وقد أكسبه هذا الابتعاد كراهية طويلة من أصدقائه السابقين، الذين يساوون بينه وبين الخونة الذين غالباً ما يطاردون أعماله.
طُلب منه الالتحاق بالجيش عام 1939، وتأمل بإسهاب في حياته، وفي معنى التزامه السياسي، كما انعكس ذلك في مراسلاته؛ لقد كان ضحية “الحرب الزائفة” عام 1940.
صُنفت كتابات بول نيزان بأنها سياسية، جمع فيها بين الخيال والعمل، والاختراع والثورة، منذ مقالته الأولى عن سيرته الذاتية، “عدن الجزيرة العربية”، روى فيها خيبات أمله، مستنكراً زيف الوجود المريح، ووهم الغرابة والاستغلال الرأسمالي للمستعمرات، وجعل من عدن مكاناً خالياً، تسكنه كاريكاتيرات البرجوازية الخاملة: “لا ذرة من الواقع، ولا خطوة قد تؤدي إلى أي شيء”.
سعى نيزان إلى العثور، بعد جيل الأب، على تراث مقبول، وهو تراث الجد المزارع: “أنا فلاح فرنسي” و”خط سير الرحلة الروحي”و “كتاب التربية السياسية” و”عدن العربية”، الذي تأثر بعمق بالثقافة الكلاسيكية لمؤلفه، هو أيضاً صرخة ثورة ضد الخيانة، صرخة رجال الدين، الذي يرمز إليه بشكل سلبي سجن شاتو دي إف ونوتردام دولاغارد، “أكثر الأشياء إثارة للاشمئزاز على وجه الأرض، الكنيسة والسجن”.
وفي عمله المنشور عام 1932 “كلاب الحراسة” وهو كتيب لا يرحم ضد الفلاسفة الأكاديميين في الجمهورية الثالثة، كانت الكلمة تهدد بالتورط في التكرار والافتقار إلى الصدى، مهما كانت شراستها. ولاحقاً كتب نيزان روايته الأولى “أنطوان بلوي” وهي أشبه ما تكون بسيرة ذاتية ونقد للمجتمع البرجوازي الفرنسي واضطهاده للعمال وحقوقهم من خلال الحديث عن طبقة عمال السكك الحديدية، وهذا يدل على تأثر الكاتب بعمل والده في هذا المجال، وهي رواية طويلة لفتت انتباه النقاد بعد صدورها، لأنها عرَّت البنية الاجتماعية للطبقة البرجوازية من ناحية وكانت انعكاساً لطفولة الكاتب ومعاناة والده م جهة ثانية.
#صحيفة_الثورة
![](https://thawra.sy/wp-content/uploads/2022/02/photo_٢٠٢٢-٠٢-٢٥_٢١-٥١-٢٣-150x150.jpg)