الثورة – سومر الحنيش:
مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي خلّفها النظام البائد، تواجه الرياضة السورية تحدياً وجودياً يتمثل في كيفية تمويل الأندية، وضمان استدامتها المالية، رغم امتلاك بعض الأندية الكبرى في دمشق، مثل الجيش، الوحدة، والمجد، لمنشآت ضخمة قابلة للاستثمار، إلا أن المحاولات السابقة باءت بالفشل، بسبب الفساد المالي، وغياب الرقابة، وضعف التشريعات.
فلماذا لم تنجح هذه الاستثمارات؟ وما الذي يمكن فعله لتحويل الأندية إلى مؤسسات رياضية قادرة على تحقيق أرباح مستدامة وتمويل نفسها بعيداً عن الاعتماد على الدعم الحكومي؟
عقود استثمارية دون جدوى
في السنوات الماضية، أبرمت الأندية السورية عقوداً استثمارية كان يفترض أن تحقق لها عوائد مالية ضخمة، لكنها انتهت إلى الفشل أو الفساد، ومن أبرز الأمثلة: في (٢٠٢٢) أعلن نادي المجد عن مزاد علني لاستثمار محلاته التجارية، بعوائد سنوية متواضعة بلغت (١٢) مليون ليرة سورية فقط لكل محل، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية رواتب عدد قليل من اللاعبين.
في (٢٠٢١) وقّع نادي الوحدة عقد رعاية بقيمة مليار ليرة سورية مع إحدى الشركات، لكن نصف المبلغ كان مشروطاً بتحقيق بطولات، مما جعله غير مستدام وأدى إلى أزمة مالية لاحقة.
الفساد المالي
تقارير غير رسمية، وشهادات من داخل الأندية تشير إلى أن بعض العقود الاستثمارية وقعت لصالح شخصيات نافذة داخل المنظومة الرياضية، بحيث تدار الاستثمارات بأسماء أقاربهم، ما يعني أن العوائد لا تعود للنادي، بل تذهب إلى جيوب أفراد محددين.
يقول أحد الإداريين السابقين في أحد الأندية الكبيرة (رفض الكشف عن اسمه): “بعض العقود أبرمت بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، لأن المستثمرين الفعليين هم مسؤولون داخل الأندية، لكن بأسماء مختلفة، هذه الاستثمارات لم تكن أبداً لصالح تطوير الرياضة، بل لخدمة مصالح شخصية.”
غياب القوانين الرادعة
لا تزال التشريعات القانونية الخاصة بالاستثمار الرياضي غير واضحة، مما يفتح الباب أمام الاجتهادات الشخصية والتلاعب الإداري، فلا يوجد قانون يلزم الأندية بالشفافية المالية، ولا جهة رقابية مستقلة تتابع كيفية إدارة أموال الاستثمارات.
كيف ننهض بالأندية؟
أولاً عبر خصخصة الأندية الرياضية تدريجياً، إذ تعد الخصخصة أحد الحلول الأساسية لإنهاء الفساد وتحقيق استثمارات فعالة، فتحويل الأندية إلى شركات رياضية، على غرار الأندية الخليجية والأوروبية، سيضمن وجود إدارة محترفة، ميزانيات شفافة، واستثمارات حقيقية تعود بالنفع على الفرق الرياضية، كما يؤكد ويقول الخبير الاقتصادي يوسف درغام الذي أضاف: “الخصخصة التدريجية هي الحل الوحيد لإنقاذ الأندية السورية من الأزمات المالية، فوجود مجلس إدارة مستقل سيمنع الفساد ويجذب مستثمرين حقيقيين، بدلاً من الاعتماد على صفقات مشبوهة.”
ثانياً استثمار المنشآت الرياضية بطرق احترافية، تمتلك بعض الأندية السورية بنى تحتية ضخمة يمكن تحويلها إلى مشاريع رياضية وتجارية مربحة، مثل نادي الجيش الذي يمتلك ملاعب ومرافق تدريب يمكن تأجيرها للأكاديميات الخاصة واستضافة البطولات المحلية والإقليمية، ونادي الوحدة الذي يتميز بموقعه وسط دمشق والذي يمنحه فرصة لإقامة مشاريع تجارية رياضية مثل صالات تدريب حديثة، مطاعم رياضية، وفنادق صغيرة لخدمة الفرق الزائرة، ونادي المجد الذي لديه مساحات واسعة يمكن تطويرها إلى مجمع رياضي متكامل يضم ملاعب خماسية وتأجيرها للشركات الخاصة.
ثالثاً تفعيل حقوق البث التلفزيوني والإعلانات، ففي الدول المتقدمة، تعد حقوق البث التلفزيوني من أكبر مصادر الدخل للأندية، بينما في سوريا لا تزال هذه الحقوق شبه معدومة، بسبب احتكار البث سابقاً من قبل صفحات مشبوهة، ما حرم الأندية من أرباح ضخمة، وضعف الإعلام الرياضي.
ويمكن تحسين هذه الإيرادات من خلال توقيع عقود بث تلفزيوني مع القنوات الرياضية العربية والدولية، وإطلاق قنوات رقمية رسمية للأندية تبث المباريات والتدريبات وتتيح فرصاً للإعلانات التجارية، وهنا يقول الإعلامي عقبة الحسن: “لو تم استثمار حقوق البث التلفزيوني بشكل صحيح، يمكن أن تتوفر للأندية السورية عشرات المليارات سنوياً، بدلاً من الاعتماد على استثمارات فاسدة تذهب لجيوب المسؤولين”.
رابعاً إطلاق أكاديميات رياضية تجارية، التي تعتبر من أهم مصادر التمويل للأندية حول العالم، ففي مصر، تحقق أكاديميات أندية الأهلي والزمالك ملايين الدولارات سنوياً من اشتراكات اللاعبين الصغار.
ولماذا لا تستفيد الأندية السورية من هذا النموذج؟ فإنشاء أكاديميات احترافية سيكون مصدر دخل ثابتاً، كما أنه سيضمن اكتشاف المواهب الشابة التي يمكن أن تغذي الفرق المحلية مستقبلاً.
هل نتعلم من أخطاء الماضي؟
لا شك أن الرياضة السورية بحاجة ماسة إلى استثمارات حقيقية، لكن أي استثمار لن ينجح إذا لم يكن هناك إصلاح إداري شامل، ما لم يتم خصخصة الأندية، فرض قوانين رقابية صارمة، وتفعيل استثمارات حقيقية في المنشآت وحقوق البث، فإن الأزمة المالية ستستمر، وستظل الرياضة السورية حبيسة الفساد وسوء التخطيط.
الكرة الآن في ملعب القائمين على الرياضة السورية، فهل سنشهد أندية تدار باحترافية وتنافس عربياً ودولياً، أم ستبقى الرياضة ضحية المصالح الشخصية والصفقات المشبوهة؟