الثورة – هفاف ميهوب:
سوريّون والتاريخ يشهد، بأننا أبناء وطن كلّ شيءٍ مبدعٍ وإنساني.. وطن التراثِ والأوابدِ والأساطير والفنون، والخارق والاستثنائي..
سوريّون وقد اعترف كُثرٌ من أدباءِ وشعراءِ ومفكريّ ورحالة العالم، بعطاءاتِ هذا الوطن وعظمة حضارته.. اعترف بذلك أيضاً، أبناء قلبه ممن بحثوا عميقاً في “تاريخ سوريا الحضاري القديم” وإشعاعاته.
اعترفوا بذلك، بعد أن اكتشفوا ما اكتشفه الباحث والمؤرّخ أحمد داوود ووثّقه في هذا الكتاب، اعتماداً على الأدلة والمراجع والشهادات التي تؤكّد، بأن سوريّا هي الوطن الأوّل للأبجديّة.. وطنُ الأدب والشّعر والفلسفة والموسيقا والفنون، العلوم والطب والرياضيات والعمارة، وحتى الدراما والعروض المسرحية:
“ولدَ المسرح مع فنّ العمارة، من رحمِ عقيدة الخصبِ العشتارية، ومن سوريا انتشر إلى كلّ العالم، وقد برع المهندسون السوريون في بناءِ المعابد والمسارحِ، وخاصة في اليونان وإيطاليا، وبرعوا في حلّ مشكلات الصوتِ بتصميماتهم الذكية، فكانوا يجعلون المسرح كالقمع المفتوح قليلاً، في حضنِ تلّة أو مجموعة تلالٍ، تقع على تشكيلٍ يصنعُ الجزء الأكبر من القمع، بحيث يصبح تردّد الصوت فيه، واضحاً بشكلٍ كبير، فبإمكانِ المشاهد الجالس أعلى المدرّج، أن يسمع بوضوحٍ، صوت ورقةٍ يمزّقها شخص في ساحة المسرح.. إنه ما نلمسه في مسرحِ بصرى الشام”.
هذا وغيره الكثير، كان قد وثّقه داوود، أمّا الباحث والمُبتكر الموسيقي إدوارد شمعون فقد دلّ على سطوع الحضارةِ السورية بالقول:
“سوريا هي أمّ النّور.. الشّمسُ الساطعة منذُ الأزل.. كتبتْ تاريخها بمدادِ نورِ الرسالات السّماوية، وبأنوار أبجديّتها وكتاباتها وعلومها وفنونها وتراثها وقوانينها وحضارتها.. الحضارة التي أشرقت على كلّ العالم الذي منحته الكثير من إشعاعاتها”.
إنه ما أكّده بثقةٍ، مشيراً إلى اعترافِ أبو التاريخ القديم، المؤرّخ الإغريقي “هيرودوت” بذلك، وأيضاً، اعتراف مؤرّخ العصور الحديثة “هنري جيمس برستند”.
لم يكن هذان الباحثان، وحدهما من وثّقا ما يدلّ على أنّ سوريّا الثقافة والحضارة، هي حقيقتنا وهويّتنا، فكثرٌ جداً فعلوا ذلك، وغالبية أبناءِ شعبنا يعرفون هذه الحقائق.
يعرفون عظمة حضارتهم، وربّما لا يعرف إلا القلائل منهم، أن الأديبة الانكليزية أغاثا كريستي، كانت من أكثر مبدعيّ العالم انجذاباً ووصفاً لهذه الحضارة، وبعد أن تأمّلتها قالت عن مدينةِ تدمر عروس سوريّتهم:
“سبعُ ساعاتٍ من الاتّساعِ الرتيب، وها نحن في تدمر الحلم، والفتنة الخبيئة التي تتدفّق بدون إنذار.. إنها ساحرة وعجائبية ومدهشة، ولها كلّ ما للحلمِ، من الدهشة والتوهج والحرّية..”.
قالت كريستي ذلك، في كتابها “تعال حدّثني كيف نعيش”. الكتاب الذي ضمّنته ما عاشته ورأته في سوريا، ما بين عامي ١٩٣٤ و١٩٣٩، وخلال صحبتها لزوجها، عالم الآثار الذي أتى يومها بمهمةٍ رسمية، جالت وإياه خلالها، وبتأمّلٍ وصفته بالفلسفي، غالبية المدن والمناطق الأثرية السورية.