الأخوان ملص لـ”الثورة”: حتى السجانون جلسوا يتابعون “اللاجئان” في السجن

الثورة – فؤاد مسعد:
منذ انطلاقتهما حفرا الصخر ليقولا “نحن هنا”، ويعبرا عمّا في داخلهما من أفكار وهواجس ورؤى، بأشكال إبداعية متعددة، فكان الحل بداية عبر “مسرح الغرفة” في منزلهما بدمشق، وجربا فيما بعد مرارة السجن بسبب مشاركتهما في المظاهرات، ثم خاضا تجربة اللجوء إلى أن أقاما في فرنسا، حيث قدما أعمالاً مسرحية وأفلاماً سينمائية وثائقية وروائية، وكتبا أول رواية لهما بعنوان “وِليَمْ العطناوي”، وحازا خلال مسيرتهما على العديد من الجوائز.
بعد أسبوع من سقوط النظام البائد، عادا إلى سوريا ومكثا فيها 55 يوماً، وغادرا على أمل العودة القريبة، وقبل سفرهما بأيام كان هذا الحوار مع الأخوين ملص “محمد وأحمد”.
لماذا اخترتما عرض “اللاجئان” لتجولا به في “دمشق، طرطوس، السلمية، السويداء، حلب، إعزاز، إدلب”، وبما خرجتما من هذه الجولة؟
محمد: يعود العرض لعام 2016 وهو باللغة الفرنسية، وعُرض في الكثير من الأماكن، ولكن قدمناه منذ عام تقريباً باللغة العربية، وعندما سقط النظام خططنا ليكون دخولنا للبلد مرتبطاً بحدث فني، فكان عرض “اللاجئان” لأنه جاهز وسبق أن عرضناه منذ فترة قصيرة، في حين أن أي عرض جديد سيحتاج ثلاثة أشهر من البروفات، فقررنا تقديمه بدمشق، لذلك ذهبنا باتجاه مسرح القباني لكن لم نستطع العرض فيه، فارتجلنا وذهبنا باتجاه مسرح الخيام، وكان عدد الحضور يتجاوز 450 شخصاً رغم أن الإعلان تم عبر الفيسبوك.. أتت بعد ذلك الدعوات لنعرض في أماكن أخرى، ورغم أن العمل عن مأساة اللاجئين خارج الوطن إلا أنه كان قريباً من السوريين، وكأنهم رأوا أنفسهم فيه، لأن السوري كان يعيش لاجئاً حتى في سوريا بحكم البعث.
ـ إلى أي مدى تغليف الفكرة بالإطار الساخر يسمح لها بالوصول إلى أبعد حد؟
محمد: تبقى الكوميديا قريبة من الناس، وبالنسبة لي ولأحمد فإننا قريبان من “محمد الماغوط”، الذي كتب عن الوجع بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويجعلك تضحك في لحظات خطيرة، والنمط الذي نشتغل عليه منذ أيام مسرح الغرفة هو “تراجيكوميدي”.
ـ هل يحتمل المسرح الذي تقدمانه الارتجال؟ وإن كان يحتمل، فما حدوده؟
أحمد: في المسرح نحن مخلصَان للنص الذي كتبناه أول مرة، فلا يتدخل الارتجال ليؤثر عليه، ولكن هناك لحظات عند الممثل تأخذه المشاعر إلى مكان ما، الأمر الذي نعتبره جزءاً جديداً دخل إلى العرض، وتبقى مساحته بين 5 و10%. وكان لـ “اللاجئان” ثلاث نسخ، نسخة باللغة الفرنسية التي بدأنا بها ونسخة باللغة العربية، وثالثة هي النسخة السورية التي أدخلنا إليها تفاصيل بنسبة 5 أو 10 % مرتبطة بالثورة السورية، لشعورنا أن الجمهور بحاجة لما يلامس آلامه، ولكن نبقى مخلصين لما قدمناه في البداية.

سنفتتح مسرح الغرفة من جديد بـ “الممثلان هنا دمشق”..

ـ إلى أي مدى يمكن للجمهور أن يحرضك على الارتجال؟
أحمد: لنوع العرض علاقة بذلك، فعندما تنجز عملاً واقعياً تحاول ألا تكسر الجدار الرابع في المسرح، خاصة أن عملنا منطلقه شخصان، ولكن طاقة الجمهور يمكن أن تعطيك أكثر عبر تصفيق هنا أو نفس هناك، ففي تجربة مسرح الغرفة قدمنا عرضاً كان بيننا وبين جهاد سعد مسافة متر واحد، وحضوره جعلني أشعر أن أمامي 400 شخص يحضرني، وبالتالي موضوع الطاقة أمر يحسه الممثل المسرحي، فالجمهور يعطيك أحياناً طاقة تجعلك تشعر أكثر باتجاه ما.
ـ طرح فكرة الحالة السورية خيط يربط بين أعمالكما، فأيهما أولاً الحكاية أم تحميلها هذه الفكرة، وهل احتجتم أحياناً إلى تطويع الحكاية لتناسب الفكرة؟
محمد: نتعامل مع الفن بالإحساس، فهو الذي يقودنا دائماً إلى هذا المكان، في أي عمل قدمناه ضمن مشاريعنا الخاصة عبر السينما أو المسرح، وحتى عندما راجعنا طريقة شغلنا لأفلامنا القصيرة التي قدمناها من 2014 إلى 2024 لاحظنا أنها بدأت بالهجرة ثم اللجوء، وفيما بعد حكت عن أشخاص طلبوا اللجوء في أوروبا هرباً من المحاكمات، وهم بالأصل مع الأسد فحوكموا في أوروبا، فدائماً الأحداث السورية هي الحاضرة، وعندما أنجزنا فيلم “رائحة الغار” الذي يتناول علاقة زوجية رومانسية كانت سوريا هي الأرضية الدائمة والأساسية فيه.
ـ سبق وقلتما “من الضروري أن يُبنى استحسان الجمهور على العمل الفني المقدم وليس على تعاطفه مع القضية السورية وواقع اللجوء”.. فبأي معنى؟
أحمد: نعاني من مشكلة الموضة، فعلى سبيل المثال إن كانت الأضواء اليوم على القضية الفلسطينية، فنرى أعمالاً عديدة عنها يتم التصفيق لها، ولكن ليس شرطاً أنها كلها احترافية، لذلك من البداية كنا ضد أن تصفق لي عاطفياً، وإنما صفّق لي احترافياً.. فعندما بدأنا العمل في فرنسا لم نكن نريد من الجمهور أن يصفق لنا لأننا مُهجران ينجزان فناً، فالفن ليس جمعية خيرية، وإنما هو حالة احترافية، فلتراني كسوري لديه نتاج إبداعي يمكن تقييمه فنياً، لأنه عندما أتفوق لا يكون السبب قدومي من بلاد الحرب وإنما لأنني محترف.

ـ ضمن إطار العمل المسرحي، ما الذي تغيّر بين عرض “الثورة غداً تؤجل إلى البارحة” آخر ما قدمتماه في دمشق قبل المغادرة في الغرفة وفي السجن، وعرض “اللاجئان” الذي عدتما به إلى دمشق؟
محمد: أعتقد أن 12 سنة في فرنسا صقلت بداخلنا ما هو مختلف على مستوى حضور المسرح هناك، اشتغلنا مع مخرجين من فرنسا وإيطاليا واليابان ولكل منهم طريقته، ورأينا أنواعاً مختلفة من المسرح، أضف إلى ذلك أمراً أساسياً هو الحرية، ففي عرض “الثورة غدًا تؤجل إلى البارحة” كنا نتلاعب على النص وعلى ما يسمى المخابرات، لأن هناك أموراً لا تتجرأ عليها حينها، بينما في “اللاجئان” فهناك حرية مطلقة، مع أرضية إنسانية للعمل.
أحمد: للأسف الفنان المحظوظ هو الذي يمر بمآسٍ أكثر، فخلال عشر سنوات زاد وعينا، حيث الثورة وما حدث في البلد إضافة إلى مشاهداتنا في الحياة ومآسيها، وفقداني لوالدي، هذا كله يؤثر في العمل الفني، وبما أننا أصحاب مشروع، فكل ما يحدث حولنا هو جزء منا، نعود ونقوله في العمل، وأعتقد أن هناك تغيرات كثيرة وشاسعة بين العملين، أتمنى أن تكون للأفضل، ولكن هناك عبارة سمعتها هنا وفي ألمانيا حين قال صديق لنا حضر “اللاجئان” و”الثورة غداً تؤجل إلى البارحة”، أن أجمل ما في العرض أن الشغف هو نفسه من 14 سنة.

نتعامل مع الفن بالإحساس فهو من يقودنا..

ـ أي تحدٍ جعلكما تقدمان عرض “الثورة غداً تؤجل إلى البارحة” في المعتقل؟
محمد: عندما كنا في المعتقل، كان رأس أحمد مصاباً ومربوطاً بالشاش، والمفارقة أنني أؤدي في العرض دور المتظاهر وهو دور الضابط، وما حدث في المعتقل أن من كانوا حولنا طلبوا منا تقديم العرض، وكان مسجوناً معناً أيضاً من كسّروا السفارة الأمريكية وهم من النظام، وكان هناك السجانون أيضاً، فنزع أحمد الشاش عن رأسه لأضعها على رأسي بما أنني أمثل المتظاهرين، والغريب أنه عندما بدأنا العرض يمكن أن تلمس معنى سحر المسرح، ففجأة السجانون الذين ضربوك لأنك كنت في مظاهرة، جلسوا ليتابعوا ما نقدم في الحكاية، وعندما أتت سيرة “الرئيس المخلوع” طلبوا إيقاف العرض، فطلبنا أن يتابعوا معنا ليعرفوا ما سيحدث، ومن كثرة حماستهم تراجعوا وجلسوا يكملون العرض، فسحر المسرح جمع الكل حتى في السجن.
ـ هل دخلت غرفتكما موسوعة غينيس للأرقام القياسية على أنها أصغر مسرح في العالم؟
محمد: ترشحنا لموسوعة غينيس، كأصغر مسرح في العالم عام 2009، وذهبنا لمديرية المسارح وطلبنا أن يتكفلوا بقدوم لجنة غينيس، فرفضوا لأننا نُعتبر مستقلين “كما أننا لسنا بعثيين”، وكان منافسنا مسرح ألماني فقط، وأعتقد أن مسرحنا كان هو الأصغر لأننا نعرض بمسافة متر ضمن مكان يتسع لـ 13 شخصاً فقط، والمفارقة أنه في العام نفسه دخلت سوريا غينيس بأكبر “صدر نمورة أو كنافة..”.
ـ ما حال غرفتكما اليوم بعد 13 سنة، وما الحلة الجديدة التي سيعود بها “مسرح الغرفة”؟
أحمد: غادرنا الغرفة كمسرحيين وعدنا إليها كسينمائيين، فالمنزل غير جاهز للسكن، ولكن دخلنا الغرفة وصورناها بعين سينمائية، وعندما دخلناها حدث معي وجع ذكريات، صحيح أنها مهجورة، ولكنها مُبتسمة، لأنه سيُعاد إحياؤها بعرض جديد قادم.
محمد: لدينا التزامات في فرنسا حالياً، ولكن نحضّر لعرض جديد لنفتتحه في الغرفة اسمه “الممثلان هنا دمشق”، هو مجرد أفكار ولم نكتب النص بعد، ولكننا على أبواب كتابته وإنجاز البروفات والعودة لعرضه.
ـ هناك أفكار تفرض نفسها لتكون فيلماً أو مسرحية أو رواية أو قصيدة..، تحديد الجنس الفني للفكرة على أي أساس يُبنى؟
أحمد: هناك أمور في الفن نشتغل عليها أنا ومحمد، لا يتم تحديدها بشكل واضح، بقدر ما أنها جزء من نقاشنا، وحتى عندما ننجز الأفلام لا نحدد من سيقدم هذا الدور أو ذاك، ولكن هناك أمور تفرض نفسها علينا، ومنها الجنس الفني للعمل الإبداعي، فتبدأ القصة بفكرة نتناقشها ونشعر أننا نذهب بها نحو المسرح أو السينما.. فالموضوع له علاقة بالمشاعر أكثر مما له علاقة بالنقاش.
ـ كيف كان يتم تصوير الأفلام الوثائقية داخل سوريا؟
أحمد: دخلنا سوريا عام 2014 وأنجزنا فيلم “أيام الكرز”، ونقول في بدايته عبارة “صرلي خارج سوريا سنتين، وأسمع من الإعلام الكثير من الأمور عن بلدي أن فيها دماً وقتلاً وذبحاً، فنزلت لأرى بعيني لا أن أسمع”، فقلنا كما قال المخرج عباس كيارستامي في أحد أفلامه “وتستمر الحياة”، عندما ذهب ليصور الناس بعد حدوث الزلزال فاكتشف أن الحياة مستمرة، فرغم كل شيء هم يريدون الحياة الطبيعية وأن يعيشوا ويضحكوا ويشاهدوا المباريات..، فالثورة الحقيقية هي الحق في الحياة.
ـ ماذا عن رواية “الممثل وِليَمْ العطناوي” وأين تتقاطع معكما؟
أحمد: تضم الرواية أحداثاً جرت معنا حقيقة وأخرى جرت مع أصدقاء، إضافة إلى أحداث متخيلة، وكان فيها نسبة عالية من الإحباط، ولكن كانت هذه مشاعرنا تجاه البلد، فآخر ما توقعناه أن نعود لسوريا ونقف في ساحة المحافظة ونقول لتمثال يوسف العظمة “يا عم يوسف، الجبان هرب” وهذا كان المشهد الأول في فيلمنا الجديد.

محمد: الغريب أنه كان فيها إحباط لا يشبهنا، ولكن سقط النظام وانتصر وِليَمْ العطناوي.
ـ ما معالم الفيلم الجديد؟
أحمد: فيلم روائي قصير اسمه “دمشق يا بسمة الحزن” على اسم رواية الأديبة ألفت الادلبي، ويحكي عن شاب سوري يصل إلى سوريا بعد التحرير ويبحث عن بيته فلا يجده، ويبدأ برؤية صور عن دمشق الآن، والفيلم فيه حالة كوميدية وشاعرية.
محمد: قدمنا 13 فيلماً لم يكن فيها إلا فيلم واحد متوسط الطول بعنوان “كأس العالم”، أنجزناه عام 2014 كان فيه شيء من الكوميديا، واليوم ننجز فيلم “دمشق يا بسمة الحزن” وفيه شيء من الكوميديا.
ـ وما معالم الفيلم الوثائقي الجديد؟
محمد: صورنا فيلماً وثائقياً في كل مكان تواجدنا فيه، اسمه “شجرة الأكدنيا” وأتى العنوان من فكرة أنه عندما عدنا إلى منزلنا المهجور وجدناه تعباً، وفيه الكثير من الأمور التي تحتاج إلى إصلاح، ولكن شجرة الأكدنيا هي الوحيدة الصامدة.. ويحكي الفيلم من دخولنا إلى سوريا فالمنزل، وتصوير مسرح الغرفة، ولحظة صناعة أول عرض مسرحي في سوريا، وبعض التفاصيل مع الأصدقاء وسفرنا إلى إعزاز وحلب وغيرها.
ـ هل يرقى ما تقدمانه من أعمال إلى درجة الوثيقة، أو الشهادة على عصر؟

محمد: الفيلم الوثائقي يوثق الحدث الآني، أما الروائي فهو وثيقة مرحلية وليست آنية، بمعنى أن هناك أفلاماً تحكي عن اللجوء، ربما يُقال عنها لاحقاً إنها تشكل مرحلة، أي مرحلة اللجوء في أفلام الأخوين ملص، وهناك أفلام عن الهجرة و العودة.. وبالتالي هي أفلام مرحلية وليست وثيقة تاريخية، وقد تكون شاهداً على عصر.. وحتى الفيلم الوثائقي هو وثيقة من وجهة نظر من ينجزه.. ولكن أرى أن العمل الفني حالة متغيرة، فربما يكون بمرحلة وثيقة وفي مرحلة أخرى شاهد على العصر.

#صحيفة_الثورة

آخر الأخبار
في أخطر سنوات عدوان النظام البائد على شعبنا.. هكذا زادت رسوم تراخيص البناء بنسبة 900% الدكتور الشرع يتفقد الخدمات في مستشفى اللاذقية توقعات بنمو اقتصاد المعرفة إلى 75% مع بداية 2025 أبناء الرقة يناقشون همومهم ورؤاهم مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وفد قبرصي في دمشق.. نيقوسيا تبحث رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا الرئيس الشرع والسيد الشيباني يستقبلان وفدا قبرصيا رفيع المستوى بازار "ألوان سوريًة".. طباع لـ"الثورة": إقبال عربي ودولي و160 سيدة أعمال شاركن بالبازار دعماً لمستشفى درعا الوطني.. رجل الأعمال موفق قداح وأبناؤه يقدمون 200 ألف دولار تعاون مع  "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لتعزيز الطب الشرعي انطلاق الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء تجمع أبناء الجولان المحتل بدرعا:  النظام البائد باع الجولان وهمش أهله ونقف مع إدارة سوريا الجديدة هل تستعيد حلب دورها الاقتصادي؟ الاحتلال الإسرائيلي يضع بوابة على مدخل المحمية الطبيعية في بلدة جباتا الخشب في الجولان غراندي: تعزيز جهود التعافي المبكرة في سوريا ضرورة لعودة اللاجئين سوريات يخلقن فرص عمل.. مشاريع منزلية بعضها يعود إلى 45 عاماً استجابة لما نشرته "الثورة".. نقل درعا تعيد دائرتها للصنمين مدرسو كلية الفنون الجميلة تجمعهم كلمة "سوريا" محمد المحاميد.. الشهيد الذي وُضع في ثلاجة الموتى حياً وكتب وصيته على جدرانها بدمه "الولاية القضائية العالمية وتوثيق وأرشفة الأدلة" بورشة متخصصة بدرعا صباح الوطن الجميل من بصرى التاريخ