المحامي ناصر حاج سليمان:
بعيداً عن السرد التاريخي بتطور المجتمع في سوريا والتحولات الحاصلة فيه سياسياً واجتماعياً والتي تتماثل مع كثير من أقطار الوطن العربي، فإن فاتحة الحديث عن المواطنة هي الدستور السوري والذي يشكل ضمير الأمة ونظرتها التوافقية حول الكثير من القضايا ومنها قضية المواطنة، ومعلوم أن الدستور هو مجموعة القواعد الأسمى التي يتوجب عدم مخالفتها ويتوجب احترامها وإعمالها لأنها تطال أساسيات الدولة والمجتمع والسلطات المختلفة والحقوق وبالتالي هي تعبير عن ضمير الجماعة وإرادتهم.
ونرى أن من المفيد الإشارة إلى أن ثمة حراكاً سياسياً واجتماعياً واضحاً في سوريا ولاسيما مع اختتام مؤتمر الحوار الوطني اليوم ومع الحديث والعمل من أجل ترسيخ حقوق الإنسان وتشكيل أحزاب وجمعيات وتعديل قانون الانتخاب ونشاطات فكرية وسياسية متعددة.
وعلى هذا ينهض مبدأ جلي بأن المواطنة هي الأساس المعول عليه في بناء الوطن الأمر الذي يقتضي اشتراك مجموع المواطنين في عملية بناء الوطن وإطلاق طاقاتهم، ويتوجب أيضاً اشتراك المجموع في وأد كل معوقات تجذر هذا المفهوم وإزالة كل ما يعترض طريقه من جهل وتخلف وأمية وتدني مستوى نمو اقتصادي وتراجع تنموي ولاءات إثنية وطائفية وعشائرية ومتطرفة لا تخدم ومن شأنها إلحاق الضرر وتفتيت وحدة المجتمع.
وعلى هذا يمكننا أن نقول: إننا بحاجة ملحة لتأكيد قيمة منظومة المجتمع المدني بأبعادها الدستورية وتأكيد المفهوم المتحضر للمواطنة وارتباطها بالحقوق والواجبات وترسيخ مبدأ سيادة القانون وبذا نتخلص من موروث منظومة المجتمع الأهلي حيث ننتقل من المجتمع المغلق إلى المجتمع المفتوح ومن العصبية والجهل والفوضى إلى دولة القانون.
فالفضاء الذي تتجسد فيه معاني الحق والعدالة والمساواة واحترام الرأي الآخر وانتفاء معوقات تحقيق المواطنة وقيام تشاركية حقيقية هو الفضاء المعمول عليه وهو الذي يؤسس لوطن يملكه المجموع، وعلى هذا تنسب المواطنة إلى الوطن وليس للدولة فقط.
وإنني أرى في الشأن الداخلي ضرورة مراجعة أحكام الدستور بما يتناسب والتوجيهات والتوصيات الحالية، ودعم أجهزة السلطة القضائية واستقلاليتها، وتكليف الحكومة بوضع آليات ناجعة لمكافحة الفساد والحد من ظاهرة الهدر في المال العام، إصدار قانون أحزاب يضمن المشاركة الوطنية في الحياة السياسية على قاعدة تعزيز الوحدة الوطنية، وتعزيز مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع، واعتبار المواطنة هي الأساس في علاقة المواطن بالمجتمع والدولة ومحاربة الظواهر التي من شأنها إلحاق الضرر بالوحدة الوطنية، وتعزيز دور المرأة ومشاركتها في مواقع اتخاذ القرار على قدم المساواة مع الرجل، وإبعاد ومحاسبة من تلوثت أيديهم بدم السوريين وذلكم بالعزل السياسي وكذلك سارقي الأموال العامة، وإعادة الأموال المنهوبة.
وفي المجال الاقتصادي البدء بمشروع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والإداري وتكليف الحكومة بوضع خطة وصياغة برنامج الإصلاح الاقتصادي في ضوء ذلك، وإعادة تأهيل القطاع العام وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين سواء لجهة الرواتب والأجور أو تطوير الخدمات الاجتماعية، وحل مشكلة البطالة وتأمين فرص عمل جديدة للشباب.
ونخلص إلى أننا في سوريا كمواطنين خيارنا أن الوحدة الوطنية كأساس وخيار لا محيد عنها وأن المواطنة وحق المشاركة لجميع أبناء الوطن مبدأ أساسي وعامل لا غنى عنه، وأن ما أرمي إليه هو موقع متقدم حقيقي لبلدنا وهذا يقتضي بالضرورة اشتراك كافة أبناء الوطن في ساحة العمل الوطني ولا مجال لتحييدٍ أو سلبيةٍ أو استنكاف أو تعطلٍ أو انسحابٍ أو إلغاءٍ, فالتشاركية قاسم مشترك بين المجموع، ومطلوب استحضار أسباب ودوافع أي صورة إعاقة المواطنة أو تعطيلها أو الوقوف بوجهها ومعالجة هذه الأسباب بعد تشخصيها من خلال الاعتبارات الصحية والسليمة والعلمية التي تخدم وحدة الوطن وجعل المواطنين فاعلين مبادرين مشاركين.
وأرى بأن إعطاء المواطن الدور الحقيقي في رسم صورة حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو القوة الرافعة والحامية لمفهوم المواطنة وتجذيرها في المجتمع وحمياتها وصيانتها، ومطلوب تنمية الشعور بالمسؤولية باتجاه القضايا الوطنية وأن الوطن ملكية عامة وشائعة والكل يملك ذات الأسهم في هذا المال الشائع ولا مجال للقول بإزالة شيوعه لأن ذلك من النظام العام وممهور بدم وعقل وروح وعواطف أبنائه وعلى هذا هم متفقون وبه موقنون.
#صحيفة_الثورة